الأرشيف السادس عشر لقوانين الملل
‘الأرشيف السادس عشر لقوانين الملل’
————
أُمرت أن أكون صادقًا… آه، تلك الأكذوبة التي تُقال بكامل الجدية في كل بداية طريق يقودك نحو هاوية التفكير العميق. منذ أن تخرجت من أكاديمية كاربونات للسرد الإمبراطوري— لا تضحك، الاسم حقيقي، نُسب لعالم فيزيائي لم يكتب قط سطرًا أدبيًا لكنه يُلهم قسمًا كاملًا حول ’الحياد الفيزيائي في السرد الملكي‘ — منذ ذلك اليوم، أقسمنا، نحن خريجو تلك الأكاديمية، على ما دعوه بـ«القسم الأعلى للأمانة السردية». خمسين مرة على الأقل، بلباس الطقوس الكئيب الذي تكوّن من عباءة سوداء وياقة قرمزية بخمول شعار الأكاديمية المهيب ― أو هكذا أريد له أن يبدو رغم أنه في الواقع أقرب لشكل تفاحة دفنت بعد أن اتخذت لونا يناسب طقوس الترسيم على العرش― ما أردت ايصاله من هذه المقدمة المشحونة بالصبر أو الإيضاح المطول، وكل هذا الإطناب الذي لا جدوى منه، هو أن الأمانة السردية هي كل ما أملك… ولهذا، بما أنني لا أجيد قراءة الأفكار، ألا بأس بأن أكتب أن الأمير الثاني كان يحدق الى الأفق بنظرة بلهاء؟ أعرف، أعرف، سيتهمونني بالخيانة، بالجنون، وبزعزعة الثوابت، لكنّ ما البديل؟ أن أكذب باسم النبالة؟ أن أصف صرامة أعين تحدق بلا تركيز؟
في يومٍ عاصف، مرة وراء أخرى، لوح الملك بسيفه تحت المطر الغزير. ابتل جسده بالماء بشدة، فاختلط عرقه بماء المطر.. ومن بعيد، وقف أخوه ―الأمير ايفان―، يفكر في…. لا أدري ربما يتساءل عن زاوية انحراف السماء؟ أو يتأمل مدى بلل حذائه؟ كيف لي أن أعرف؟ لست أقيم في رأسه، ولست أملك تصريحًا بالدخول.
ملكنا كان يتحدث كما يُخرج الحصان نفسًا، ببطء، وعلى دفعات، وكأنه كل كلمة ينطق بها وكل حركة زائدة تفقده جزءًا من وزنه الملكي. لم يكن شريرًا، ولا حتى صالحًا، ككائن محايد الفصيلة، آلة بشرية تصدر الأوامر، لم يكن حاضرا أو غائبا بل شيئا بين الاثنين، كتوقيع باهت على اتفاقية تسليم الأراضي الجنوبية خطها لصالح انقلاب نبلاء الجنوب، كرد فعل على الصمت الطويل الذي يسكن العرش.
أُمرت أن أكون صادقًا… آه، تلك الأكذوبة التي تُقال بكامل الجدية في كل بداية طريق يقودك نحو هاوية التفكير العميق. منذ أن تخرجت من أكاديمية كاربونات للسرد الإمبراطوري— لا تضحك، الاسم حقيقي، نُسب لعالم فيزيائي لم يكتب قط سطرًا أدبيًا لكنه يُلهم قسمًا كاملًا حول ’الحياد الفيزيائي في السرد الملكي‘ — منذ ذلك اليوم، أقسمنا، نحن خريجو تلك الأكاديمية، على ما دعوه بـ«القسم الأعلى للأمانة السردية». خمسين مرة على الأقل، بلباس الطقوس الكئيب الذي تكوّن من عباءة سوداء وياقة قرمزية بخمول شعار الأكاديمية المهيب ― أو هكذا أريد له أن يبدو رغم أنه في الواقع أقرب لشكل تفاحة دفنت بعد أن اتخذت لونا يناسب طقوس الترسيم على العرش― ما أردت ايصاله من هذه المقدمة المشحونة بالصبر أو الإيضاح المطول، وكل هذا الإطناب الذي لا جدوى منه، هو أن الأمانة السردية هي كل ما أملك… ولهذا، بما أنني لا أجيد قراءة الأفكار، ألا بأس بأن أكتب أن الأمير الثاني كان يحدق الى الأفق بنظرة بلهاء؟ أعرف، أعرف، سيتهمونني بالخيانة، بالجنون، وبزعزعة الثوابت، لكنّ ما البديل؟ أن أكذب باسم النبالة؟ أن أصف صرامة أعين تحدق بلا تركيز؟
لم يفهم أي شخص ―يعنيه الأمر أو لا يعنيه― أيا مما قد حدث هنا، لكن بالنسبة لمن قرأ أرشيف تاريخ الملوك السادس عشر، فقد كان عدم الفهم هذا أشبه بلمحة روتينية، فملكنا امتلك دائما أغرب الطرق لإزاحة الملل حتى ولو على حساب خموله، وقف وسط الدائرة المرسومة ولوح بيده لجمهور غير موجود، تلويحة لن تنهي حربا طويلة ولن تجلب السلام لأحد، لكنها قد تجلب الكثير من خيبة الأمل، وكما لو كان يعلن نهاية المسرحية، التفت الى الأمير ايفان وسأله عن سبب وجوده هنا في هذا الوقت، وكما توقعت تبين أنه يبحث عن الإنتعاش لا أكثر، عند تلك الإجابة ضحك الملك ضحكة جوفاء، لا تشبه الإيقاع في شيء سوى في كونها تسير خلفه، ثم قال بصوتٍ أقرب للحدس:
لا، فلتذهب النبالة الى حيث ينتهي الواجب أو يبدأ وليبقَ قسمي معي ولو جرني الى المقصلة.
لكن دعني أوضح لك شيئًا – بما أنك قررت التطفل على روايتي الداخلية – لا يوجد مجد هنا. ما يوجد هو رجل، يحمل سيفا أثقل من تاريخه، يقف تحت المطر ليلوح به في طقوس أشبه باطفاء الشموع في جنازة ارستقراطي أعلن افلاسه ثم قرر أن ينتحر لأسباب تتعلق باسعار الشموع الرديئة.
ولكن―لأكون صريحا― فقد خنت قسمي بالفعل، أعني أن من يلوح أمامي الآن ليس الملك حتى، فالملك نائم في جناحه الآن، هل هو مجنون ليخرج في هكذا طقس؟ على الأرجح لا، ربما يكون من يلوح بهذا السيف أمامي هو فارس اختاره الملك شخصيا- او ربما لم يكلف نفسه عناء ذلك حتى- لكني أشكك بصدق أنه من بين فرسان فيلق «المرآة الكسولة» – نعم، الاسم الرسمي هو «المرآة الملكية الأولى»، لكني أقسم أن النعاس يسكن لحاهم منذ القرن الماضي. لذا فكونه من بينهم يعد مستحيلا تمانا، إلا لو قرر الكسل أخذ اجازة بغير عذر مسوغ.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com يُقال في حكايات الشمال القديمة أن المطر يغسل الذنوب من الأرض. لكن ماذا لو كانت الأرض نفسها مُذنبة؟ هل يُغسل الماء بالماء؟ أم أن السماء تضحك علينا وتبكي في آنٍ معًا؟
عمومًا، لم أخرج اليوم تحت هذا المطر لأتفقد لياقة الفارس، بل لأنني استُدعيت، مثل كلبٍ عجوز يُرمى له بالعصا ―على أمل ألا يعود ابدا― من قبل الملك لكي أدوّن هذا اليوم. أن أحفره على أضلع الزمن بشكل لا يمكن نسيانه. «لحظة المجد»، هكذا بدأت العنوان، وكأن المجد أمرٌ يمكن فرمه وشحنه في براميل، ويطبع بختم الزمن أو التلف المسبوق.
ملكنا كان يتحدث كما يُخرج الحصان نفسًا، ببطء، وعلى دفعات، وكأنه كل كلمة ينطق بها وكل حركة زائدة تفقده جزءًا من وزنه الملكي. لم يكن شريرًا، ولا حتى صالحًا، ككائن محايد الفصيلة، آلة بشرية تصدر الأوامر، لم يكن حاضرا أو غائبا بل شيئا بين الاثنين، كتوقيع باهت على اتفاقية تسليم الأراضي الجنوبية خطها لصالح انقلاب نبلاء الجنوب، كرد فعل على الصمت الطويل الذي يسكن العرش.
لكن دعني أوضح لك شيئًا – بما أنك قررت التطفل على روايتي الداخلية – لا يوجد مجد هنا. ما يوجد هو رجل، يحمل سيفا أثقل من تاريخه، يقف تحت المطر ليلوح به في طقوس أشبه باطفاء الشموع في جنازة ارستقراطي أعلن افلاسه ثم قرر أن ينتحر لأسباب تتعلق باسعار الشموع الرديئة.
الآن هذا يليق أكثر بملك خامل، هل أُسلم هذا النص كما هو؟ لا أعلم. قد لا يضمن لي رأسي، لكنه على الأقل يضمن لي قسمي. ملكنا، على أي حال، كان ملكًا خاملًا، كغيمة لم تمطر منذ ثلاثين عامًا، مع ذلك كان لا يزال يتحدث بلغة المقصلة حين يتعب من المجادلة.
الأمير ايفان لم يتحرك شبرًا. ظلّ على نفس البُعد، يحدق، وكأنه يحاول فهم المعادلة الفيزيائية خلف الموقف: “إذا تحرّك الملك بسرعة أفقية تحت ضغط مطري ووزن سياسي يساوي وزن كتلة هلامية من الإضطراب الحرج، فكم يحتاج الأمير ليصبح ملكًا دون سفك دم؟”
يُقال في حكايات الشمال القديمة أن المطر يغسل الذنوب من الأرض. لكن ماذا لو كانت الأرض نفسها مُذنبة؟ هل يُغسل الماء بالماء؟ أم أن السماء تضحك علينا وتبكي في آنٍ معًا؟
“إذا كانت الرموز أثقل منّا، فلنغرقها أولًا.”
ملكنا كان يتحدث كما يُخرج الحصان نفسًا، ببطء، وعلى دفعات، وكأنه كل كلمة ينطق بها وكل حركة زائدة تفقده جزءًا من وزنه الملكي. لم يكن شريرًا، ولا حتى صالحًا، ككائن محايد الفصيلة، آلة بشرية تصدر الأوامر، لم يكن حاضرا أو غائبا بل شيئا بين الاثنين، كتوقيع باهت على اتفاقية تسليم الأراضي الجنوبية خطها لصالح انقلاب نبلاء الجنوب، كرد فعل على الصمت الطويل الذي يسكن العرش.
في يومٍ عاصف، مرة وراء أخرى، لوح الملك بسيفه تحت المطر الغزير. ابتل جسده بالماء بشدة، فاختلط عرقه بماء المطر.. ومن بعيد، وقف أخوه ―الأمير ايفان―، يفكر في…. لا أدري ربما يتساءل عن زاوية انحراف السماء؟ أو يتأمل مدى بلل حذائه؟ كيف لي أن أعرف؟ لست أقيم في رأسه، ولست أملك تصريحًا بالدخول.
وبذلك انخفض تقدير الملك بشكل يستدعي تقويم الظهر بزاوية الضمير الحي. منذ اعتلى العرش في التاسعة عشرة من عمره، بعد الاختفاء المفاجئ لوالده الملك السابق، والبلاد تمشي على عكازين من المجاملة والشك.
مع أن الاختفاء كان مفاجئًا الى أن البعض لا يراه كذلك بأي شكل. من يعرف الملك السابق جيدًا، يعرف أنه كان يملك طموحًا يتجاوز العرش، إلى حيث تهاجر الطيور التي لا تعرف الخرائط.
اختفى دون أن ينتظر أن تقوم الأوضاع بتقويم ظهرها المنحني بعد أن شهدت البلاد أعواما من القحط وحربا مع مملكة كيلين جارتنا من الجنوب الشرقي على مسار شبه خطي، حرب استمرت لخمس سنوات من التوقعات المضمحلة والمناوشات الجافة، لم تندلع سوى لأسباب روتينية تتعلق بحقوق التجارة أو التصدير وراح ضحيتها آلاف الأرواح أو الأفكار المنطقي. وشيئا قليلا أو كثيرا من أسى الأراضي المحترقة ورماد العصف الذهني.
ولكن―لأكون صريحا― فقد خنت قسمي بالفعل، أعني أن من يلوح أمامي الآن ليس الملك حتى، فالملك نائم في جناحه الآن، هل هو مجنون ليخرج في هكذا طقس؟ على الأرجح لا، ربما يكون من يلوح بهذا السيف أمامي هو فارس اختاره الملك شخصيا- او ربما لم يكلف نفسه عناء ذلك حتى- لكني أشكك بصدق أنه من بين فرسان فيلق «المرآة الكسولة» – نعم، الاسم الرسمي هو «المرآة الملكية الأولى»، لكني أقسم أن النعاس يسكن لحاهم منذ القرن الماضي. لذا فكونه من بينهم يعد مستحيلا تمانا، إلا لو قرر الكسل أخذ اجازة بغير عذر مسوغ.
الملك الحالي لم يسبق له أن تخطى اختبار الكفاءة الملكية أو حتى شارف على نيل مرتبة ترشحه للرزانة القيادية، ولولا مجلس الوزراء الذي حافظ على استقرار الحدود وتمكين المركز لانهارت البلاد في السنة الثانية من حكمه. أما عن الأمير الثاني، فقد كان في الرابعة عشرة عندما اختفى والده. سمعنا — نحن كتبة البلاط الذين لا يُذكر فضلهم إلا في هوامش الوثائق وقد لا يذكر أبدا— من زملائنا القدامى، أن الأمير كان شابًا غريبًا.
أما عن سبب وقوفه الآن، تحت المطر، فلا أعلم. ربما قرر فجأة أن يبدو هذا المشهد قريبًا من تحيزات التاريخ. أو ربما، ببساطة، أراد الانتعاش بماء المطر البارد.
على خلاف شقيقه الأكبر، فقد كان الأمير نشيط الجسد، مع خمول عقلي فريد الملامح، تجنب باستمرار دروس الخلافة وانشغل عنها بقراءة الشعر والفلسفة، كان يهمل السياسة ولا ينشغل عن الأدب، كان نجاحه يسير على جانب واحد في اتجاه غير محدد، والملك السابق رفض أن يخلفه على العرش شخص لا تهمه أحوال البلاد بقدر أحوال المخطوطات القديمة في المتحف. ―تفكير منطقي من شخص هجر البلاد فجأة بينما بالكاد تتمسك بقشة.―
الأمير ايفان لم يتحرك شبرًا. ظلّ على نفس البُعد، يحدق، وكأنه يحاول فهم المعادلة الفيزيائية خلف الموقف: “إذا تحرّك الملك بسرعة أفقية تحت ضغط مطري ووزن سياسي يساوي وزن كتلة هلامية من الإضطراب الحرج، فكم يحتاج الأمير ليصبح ملكًا دون سفك دم؟”
الأمير، بوعيه ذي المزاج الانتقائي، لم يكن يمكن فهم تصرفاته من قبل أي شخص، ولم يسبق أن قرأ كتب الأعراف والنبل الملكي، إذ لم تكن ضمن الموضوعات التي تستوقف ذوقفه الذي لا يمكن تلخيصه في أي كتاب يقل عن ألف صفحة.
أما عن سبب وقوفه الآن، تحت المطر، فلا أعلم. ربما قرر فجأة أن يبدو هذا المشهد قريبًا من تحيزات التاريخ. أو ربما، ببساطة، أراد الانتعاش بماء المطر البارد.
في يومٍ عاصف، مرة وراء أخرى، لوح الملك بسيفه تحت المطر الغزير. ابتل جسده بالماء بشدة، فاختلط عرقه بماء المطر.. ومن بعيد، وقف أخوه ―الأمير ايفان―، يفكر في…. لا أدري ربما يتساءل عن زاوية انحراف السماء؟ أو يتأمل مدى بلل حذائه؟ كيف لي أن أعرف؟ لست أقيم في رأسه، ولست أملك تصريحًا بالدخول.
أما لو سئلت عن المشهد الأهم في هذا اليوم، لما أشرت إلى السيف، ولا المطر، ولا حتى الموشح الجنائزي الذي عزفته الأبواق النحاسية فجأة بلا تخطيط، وبقدرٍ من الحماس لا يتناسب إطلاقًا مع رتابة الحدث. بل سأشير إلى تلك النظرة التي غلفت ملامح الملك لحظة خروجه من القصر ليدخل أرض التدريب هذه، دون تاج، دون سترة، دون حتى حذاء ملكي. مشى حافيًا يُلامس الطين كما لو أنه كان يتوسل للأرض أن تتذكره، إن لم يتكرم التاريخ بفعل ذلك.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com لا، فلتذهب النبالة الى حيث ينتهي الواجب أو يبدأ وليبقَ قسمي معي ولو جرني الى المقصلة.
هل سبق لك أن رأيت ملكًا يتوسل؟ إنها تجربة لا يُنصح بها لأصحاب القلوب الضعيفة. أنا نفسي كدت أتقيأ حينها، لا من الشفقة، بل من المفارقة.
عمومًا، لم أخرج اليوم تحت هذا المطر لأتفقد لياقة الفارس، بل لأنني استُدعيت، مثل كلبٍ عجوز يُرمى له بالعصا ―على أمل ألا يعود ابدا― من قبل الملك لكي أدوّن هذا اليوم. أن أحفره على أضلع الزمن بشكل لا يمكن نسيانه. «لحظة المجد»، هكذا بدأت العنوان، وكأن المجد أمرٌ يمكن فرمه وشحنه في براميل، ويطبع بختم الزمن أو التلف المسبوق.
يبدو أن الملك قد قرر كشف زيف هذه المسرحية التي أعد لها، لكن ما السبب؟
لكن دعني أوضح لك شيئًا – بما أنك قررت التطفل على روايتي الداخلية – لا يوجد مجد هنا. ما يوجد هو رجل، يحمل سيفا أثقل من تاريخه، يقف تحت المطر ليلوح به في طقوس أشبه باطفاء الشموع في جنازة ارستقراطي أعلن افلاسه ثم قرر أن ينتحر لأسباب تتعلق باسعار الشموع الرديئة.
بعد ذلك اقترب الملك من الفارس ليستلم سيفه، تبادلاه كما يتبادل شخصان راية مكسورة، ثم مضى نحو حافة الساحة الغربية، حيث تنتهي الأرض ويبدأ الطين بالتحول إلى مياه راكدة، ظهرت هناك بحيرة لم يسبق أن قاس أحد عمقها الفعلي، ثم ودون سابق انذار ألقى السيف في الماء ليحدث تموجات عنيفة أشبه بصاعقة تضرب الأرض اليابسة ثم قال:
الأمير ايفان لم يتحرك شبرًا. ظلّ على نفس البُعد، يحدق، وكأنه يحاول فهم المعادلة الفيزيائية خلف الموقف: “إذا تحرّك الملك بسرعة أفقية تحت ضغط مطري ووزن سياسي يساوي وزن كتلة هلامية من الإضطراب الحرج، فكم يحتاج الأمير ليصبح ملكًا دون سفك دم؟”
بعد ذلك اقترب الملك من الفارس ليستلم سيفه، تبادلاه كما يتبادل شخصان راية مكسورة، ثم مضى نحو حافة الساحة الغربية، حيث تنتهي الأرض ويبدأ الطين بالتحول إلى مياه راكدة، ظهرت هناك بحيرة لم يسبق أن قاس أحد عمقها الفعلي، ثم ودون سابق انذار ألقى السيف في الماء ليحدث تموجات عنيفة أشبه بصاعقة تضرب الأرض اليابسة ثم قال:
لم يفهم أي شخص ―يعنيه الأمر أو لا يعنيه― أيا مما قد حدث هنا، لكن بالنسبة لمن قرأ أرشيف تاريخ الملوك السادس عشر، فقد كان عدم الفهم هذا أشبه بلمحة روتينية، فملكنا امتلك دائما أغرب الطرق لإزاحة الملل حتى ولو على حساب خموله، وقف وسط الدائرة المرسومة ولوح بيده لجمهور غير موجود، تلويحة لن تنهي حربا طويلة ولن تجلب السلام لأحد، لكنها قد تجلب الكثير من خيبة الأمل، وكما لو كان يعلن نهاية المسرحية، التفت الى الأمير ايفان وسأله عن سبب وجوده هنا في هذا الوقت، وكما توقعت تبين أنه يبحث عن الإنتعاش لا أكثر، عند تلك الإجابة ضحك الملك ضحكة جوفاء، لا تشبه الإيقاع في شيء سوى في كونها تسير خلفه، ثم قال بصوتٍ أقرب للحدس:
الإجابة: الصفر. لأنه لا يريد أن يصير ملكا أصلا.
الآن هذا يليق أكثر بملك خامل، هل أُسلم هذا النص كما هو؟ لا أعلم. قد لا يضمن لي رأسي، لكنه على الأقل يضمن لي قسمي. ملكنا، على أي حال، كان ملكًا خاملًا، كغيمة لم تمطر منذ ثلاثين عامًا، مع ذلك كان لا يزال يتحدث بلغة المقصلة حين يتعب من المجادلة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com لا، فلتذهب النبالة الى حيث ينتهي الواجب أو يبدأ وليبقَ قسمي معي ولو جرني الى المقصلة.
تقدم الملك ثم أمر الفارس بإيقاف تلويحه ―الذي استمر يوما كاملا ونصف ليلة― بحركة دقيقة من يده لا تعني شيئا في أي معجم مدروس، ثم اتجه ناحية دائرة رسمت على الأرض، يسميها الفرسان نقطة بدء الولاء. أليس هذا مضحكًا؟ الولاء يبدأ في نقطة، وينتهي في غابة. وفي تلك اللحظة هدأ ضجيج الرياح، المطر أصبح خفيفًا، كأن السماء خجلت من فرط اندفاعها. وكل شيء… صار ثابتًا. حتى الأبواق — التي بدأت الموشح وكأن أحدهم أصدر أمرا خاطئا على شكل زلة -أو لعله كان أحد الترتيبات المسبقة التي لا يتم اخطاري بأي منها- — توقفت، كلحظة سكون مرج الحقول وسط عاصفة متسرعة.
ملكنا كان يتحدث كما يُخرج الحصان نفسًا، ببطء، وعلى دفعات، وكأنه كل كلمة ينطق بها وكل حركة زائدة تفقده جزءًا من وزنه الملكي. لم يكن شريرًا، ولا حتى صالحًا، ككائن محايد الفصيلة، آلة بشرية تصدر الأوامر، لم يكن حاضرا أو غائبا بل شيئا بين الاثنين، كتوقيع باهت على اتفاقية تسليم الأراضي الجنوبية خطها لصالح انقلاب نبلاء الجنوب، كرد فعل على الصمت الطويل الذي يسكن العرش.
لم يفهم أي شخص ―يعنيه الأمر أو لا يعنيه― أيا مما قد حدث هنا، لكن بالنسبة لمن قرأ أرشيف تاريخ الملوك السادس عشر، فقد كان عدم الفهم هذا أشبه بلمحة روتينية، فملكنا امتلك دائما أغرب الطرق لإزاحة الملل حتى ولو على حساب خموله، وقف وسط الدائرة المرسومة ولوح بيده لجمهور غير موجود، تلويحة لن تنهي حربا طويلة ولن تجلب السلام لأحد، لكنها قد تجلب الكثير من خيبة الأمل، وكما لو كان يعلن نهاية المسرحية، التفت الى الأمير ايفان وسأله عن سبب وجوده هنا في هذا الوقت، وكما توقعت تبين أنه يبحث عن الإنتعاش لا أكثر، عند تلك الإجابة ضحك الملك ضحكة جوفاء، لا تشبه الإيقاع في شيء سوى في كونها تسير خلفه، ثم قال بصوتٍ أقرب للحدس:
اظهر ابتسامة فخورة ثم أدار ظهره، ومشى مبتعدًا نحو القصر، بخطوات من يرفض البروز أمام أي حشد ليس تواضعا بل لكونه لا يرتدي الملابس الملائمة لذلك لا أكثر.
“أتعلم، إيفان؟ لا أحد ينتبه لمن يلوّح بالسيف، إن لم يكن قد ذبح أحدًا.”
الأمير لم يجب، بالطبع. بل اكتفى بالانحناء قليلًا، لا من باب الاحترام، بل من أجل أن يعصر الماء من طرف معطفه.
بعد ذلك اقترب الملك من الفارس ليستلم سيفه، تبادلاه كما يتبادل شخصان راية مكسورة، ثم مضى نحو حافة الساحة الغربية، حيث تنتهي الأرض ويبدأ الطين بالتحول إلى مياه راكدة، ظهرت هناك بحيرة لم يسبق أن قاس أحد عمقها الفعلي، ثم ودون سابق انذار ألقى السيف في الماء ليحدث تموجات عنيفة أشبه بصاعقة تضرب الأرض اليابسة ثم قال:
“إذا كانت الرموز أثقل منّا، فلنغرقها أولًا.”
ولكن―لأكون صريحا― فقد خنت قسمي بالفعل، أعني أن من يلوح أمامي الآن ليس الملك حتى، فالملك نائم في جناحه الآن، هل هو مجنون ليخرج في هكذا طقس؟ على الأرجح لا، ربما يكون من يلوح بهذا السيف أمامي هو فارس اختاره الملك شخصيا- او ربما لم يكلف نفسه عناء ذلك حتى- لكني أشكك بصدق أنه من بين فرسان فيلق «المرآة الكسولة» – نعم، الاسم الرسمي هو «المرآة الملكية الأولى»، لكني أقسم أن النعاس يسكن لحاهم منذ القرن الماضي. لذا فكونه من بينهم يعد مستحيلا تمانا، إلا لو قرر الكسل أخذ اجازة بغير عذر مسوغ.
اظهر ابتسامة فخورة ثم أدار ظهره، ومشى مبتعدًا نحو القصر، بخطوات من يرفض البروز أمام أي حشد ليس تواضعا بل لكونه لا يرتدي الملابس الملائمة لذلك لا أكثر.
الأمير ايفان حدق خلال هذا المشهد بعيون من يعتبر الفهم نوعا من الرفاهية، كان هكذا دائما، شخصا يفضل الجهل على المعرفة المرغمة، لهذا بالتحديد سيبقى دائما في مكانه، خارج خط السلطة بعيدا عن قوس الطموح، أما أنا فقد انهيت مهمتي، بقي فقط أن أدون الآتي في الأرشيف السادس عشر كما اعتدت:
لم يفهم أي شخص ―يعنيه الأمر أو لا يعنيه― أيا مما قد حدث هنا، لكن بالنسبة لمن قرأ أرشيف تاريخ الملوك السادس عشر، فقد كان عدم الفهم هذا أشبه بلمحة روتينية، فملكنا امتلك دائما أغرب الطرق لإزاحة الملل حتى ولو على حساب خموله، وقف وسط الدائرة المرسومة ولوح بيده لجمهور غير موجود، تلويحة لن تنهي حربا طويلة ولن تجلب السلام لأحد، لكنها قد تجلب الكثير من خيبة الأمل، وكما لو كان يعلن نهاية المسرحية، التفت الى الأمير ايفان وسأله عن سبب وجوده هنا في هذا الوقت، وكما توقعت تبين أنه يبحث عن الإنتعاش لا أكثر، عند تلك الإجابة ضحك الملك ضحكة جوفاء، لا تشبه الإيقاع في شيء سوى في كونها تسير خلفه، ثم قال بصوتٍ أقرب للحدس:
“كان يومًا خاليًا من أي مجدٍ يمكن لعينٍ ـ صبورة أو ضجرة ـ أن تلمحه، أمير اختار الجهل على الفهم، وفارس فقد سيفه بعد تلويحٍ أطول من جدواه، وأرضٌ ابتلعت من المطر أكثر مما تطيق هضمه… وملك، أدار ظهره مبتسمًا. كما لو كان وحده من خرج منتصرا…
أما عن سبب وقوفه الآن، تحت المطر، فلا أعلم. ربما قرر فجأة أن يبدو هذا المشهد قريبًا من تحيزات التاريخ. أو ربما، ببساطة، أراد الانتعاش بماء المطر البارد.
إذًا، هكذا هم الملوك… يا له من عالمٍ ساحر.”
كتابة: جيوفاني
————
كتابة: جيوفاني
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “كان يومًا خاليًا من أي مجدٍ يمكن لعينٍ ـ صبورة أو ضجرة ـ أن تلمحه، أمير اختار الجهل على الفهم، وفارس فقد سيفه بعد تلويحٍ أطول من جدواه، وأرضٌ ابتلعت من المطر أكثر مما تطيق هضمه… وملك، أدار ظهره مبتسمًا. كما لو كان وحده من خرج منتصرا…
ملكنا كان يتحدث كما يُخرج الحصان نفسًا، ببطء، وعلى دفعات، وكأنه كل كلمة ينطق بها وكل حركة زائدة تفقده جزءًا من وزنه الملكي. لم يكن شريرًا، ولا حتى صالحًا، ككائن محايد الفصيلة، آلة بشرية تصدر الأوامر، لم يكن حاضرا أو غائبا بل شيئا بين الاثنين، كتوقيع باهت على اتفاقية تسليم الأراضي الجنوبية خطها لصالح انقلاب نبلاء الجنوب، كرد فعل على الصمت الطويل الذي يسكن العرش.
الأمير ايفان حدق خلال هذا المشهد بعيون من يعتبر الفهم نوعا من الرفاهية، كان هكذا دائما، شخصا يفضل الجهل على المعرفة المرغمة، لهذا بالتحديد سيبقى دائما في مكانه، خارج خط السلطة بعيدا عن قوس الطموح، أما أنا فقد انهيت مهمتي، بقي فقط أن أدون الآتي في الأرشيف السادس عشر كما اعتدت:
كتابة: جيوفاني
بعد ذلك اقترب الملك من الفارس ليستلم سيفه، تبادلاه كما يتبادل شخصان راية مكسورة، ثم مضى نحو حافة الساحة الغربية، حيث تنتهي الأرض ويبدأ الطين بالتحول إلى مياه راكدة، ظهرت هناك بحيرة لم يسبق أن قاس أحد عمقها الفعلي، ثم ودون سابق انذار ألقى السيف في الماء ليحدث تموجات عنيفة أشبه بصاعقة تضرب الأرض اليابسة ثم قال:
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات