وليمة الجحيم
الفصل 120: وليمة الجحيم
لم تعبّر غريلا الساحرة عن شيء. تقدّمت بخطًى ثابتة نحو الملك. وفي اللحظة ذاتها، تحركت ألواح الحديد تحت قدمي هوكينز فجأة، فانفتحت وسقط صائحًا في فوهةٍ مظلمة. عادت الألواح للإغلاق بفرقعة معدنية حادة، وكأن شيئًا لم يحدث.
حينما هبطت البارجة من السماء ببطء، خيِّل للأنظار أنها غيمةٌ داكنة سميكة تهوي على الأرض. كانت أجنحة التنين الحديدي تصدر هديرًا خانقًا، والاحتكاك العنيف بينها وبين الهواء يخلّف إعصارًا يوشك أن يقتلع من تحته كل شيء. لكن الإعصار انكسر على حدود جسد الملك؛ فقد ثبت الشيطان مظلته السوداء على معصمه، ولفّ ذراعه الأخرى حول الملك، فانكسرت العاصفة قبل أن تمسّه.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com كان هوكينز، القبطان المعتوه دوماً، يراقب الملك بصمت. وقف هناك يعضّ عود الحشيش بين أسنانه، وعيناه معلّقتان على ذاك الملك ذو الشعر الفضي، ينزل من الدرج، يتماوج شعره مع الريح. للحظة، ظنّ أن الشاب القادم أمامه هو نفسه وليام الثالث، دوق باكنغهام الشاب، في سالف الزمان.
رفرفت أجنحة العظام على دعامات القلعة مرةً أخرى، تصدح بهديرٍ أشبه بصافرة قديمة ضائعة، تمتد أصداؤها من ركن إلى آخر في القصر. وعلى مقربة من الجرف شبه العمودي، انخفض جناح التنين الحربي بسلاسة، واستقر بتؤدة قرب رصيف الميناء الغارق في بحر النار، وكأن التنين المتوحش انصاع فجأةً لسيّد جديد.
— “ما هذا… لماذا السفينة كبرت؟!” سأل أحد القراصنة وهو يحلّق حول الصاري كطيفٍ هائم، فاغرًا فمه من الدهشة.
رفع القراصنة قبعاتهم ولوّحوا بها نحو الملك بحماسة لا تخلو من الفخر، يبتسمون بشغف كما لو أن هذا التحول الغريب في السفينة لم يكن غريبًا على الإطلاق. كانوا فخورين.
لم تعبّر غريلا الساحرة عن شيء. تقدّمت بخطًى ثابتة نحو الملك. وفي اللحظة ذاتها، تحركت ألواح الحديد تحت قدمي هوكينز فجأة، فانفتحت وسقط صائحًا في فوهةٍ مظلمة. عادت الألواح للإغلاق بفرقعة معدنية حادة، وكأن شيئًا لم يحدث.
لم يفلت الشيطان يد الملك حتى نزل آخر قارب إلى الرصيف، ثم أغلق مظلته السوداء، ولمس بجانبها الجدار الصخري. وفي لحظة، انطلقت دوامةٌ من الضباب الأسود غير المرئي، تزامن معها صوت احتكاكٍ لدواليب سرّية من خلف المنصة التي يقفان عليها، وارتجت الصخور تحت أقدامهما. كانت آلية خفية قد بدأت تتحرك، فخرجت صخورٌ ضخمة من الجدار الأملس، مُشكّلةً درجًا حجريًا ينحدر من القمة إلى قاع الميناء.
انحنت غريلا وهي تشير إليه بالدخول. وكانت جيني، وقد استعادت شكلها الجديد، تتبع الملك ككلبٍ مخلص. حيثما سار، اندفعت أغصان الورود إليه. حاول أحد القراصنة أن يقطف وردة منها، لكنها صفعت يده بقسوة، فتأوّه وأبعد أصابعه المتورّمة.
كان هوكينز، القبطان المعتوه دوماً، يراقب الملك بصمت. وقف هناك يعضّ عود الحشيش بين أسنانه، وعيناه معلّقتان على ذاك الملك ذو الشعر الفضي، ينزل من الدرج، يتماوج شعره مع الريح. للحظة، ظنّ أن الشاب القادم أمامه هو نفسه وليام الثالث، دوق باكنغهام الشاب، في سالف الزمان.
— “ليكن الحاكم الأعظم، الأزلي، شاهداً على هذا العهد، بقوّته وجلاله.”
تنحنح بصوتٍ أجش، ثم قذف بالعود من فمه، وصرخ كديكٍ أعلن فجر معركة:
— آه، سيدي الملك! طال البعد، ويبدو أن أحوالك في الجحيم تسير على خير ما يرام!
وقفت الساحرة أمام الملك وانحنت بانضباط: — آنسة جيني نضجت الآن يا مولاي.
كان هوكينز أول من تقدّم بخطواته، وتبعه بقية القراصنة وهم يتنهّدون: “يا إلهي، هل هذا الأحمق هو قائدنا حقًا؟”
صعد الملك أيضًا، والشيطان يدور بمظلته ببطء. غريلا، الهادئة دوماً، بدا على شفتيها لأول مرة بسمة خفيفة. حينها، هتف القراصنة بكل ما فيهم من ولاء: — “يحيا لغراند!” — “يحيا الملك!”
لم تعبّر غريلا الساحرة عن شيء. تقدّمت بخطًى ثابتة نحو الملك. وفي اللحظة ذاتها، تحركت ألواح الحديد تحت قدمي هوكينز فجأة، فانفتحت وسقط صائحًا في فوهةٍ مظلمة. عادت الألواح للإغلاق بفرقعة معدنية حادة، وكأن شيئًا لم يحدث.
ازدادت لهاثات اللوردات وهم يترقّبون. وتواصل وصول القادمين…
وقفت الساحرة أمام الملك وانحنت بانضباط:
— آنسة جيني نضجت الآن يا مولاي.
خطوات خفيفة دخلت من بوابة القاعة. تجمّدت قلوب الجميع، وتيبّست عظامهم وهم ينظرون. من دخل لم يكن بشريًا، بل كان هو… هو نفسه، الشيطان.
مدّ الملك يده إلى السلم الذي أفرزته جيني طوعًا، وصعد إلى ظهرها الحديدي. لمّا لمس حديد السياج، اندفعت من تحته أغصان وردٍ خضراء داكنة، تتدلّى منها زهورٌ قانية، تلامس أصابعه بودّ.
أنحنى الشيطان ركبته أمام العرش، وتقدّم خادم الدم ليرفع غطاء الطبق الفضي، فوضع الرأس عليه، وقال: — “مولاي، هذا اللورد، رفض الحضور.” — “فأتيتُ به، ليُقدّم اعتذاره.”
— طاب يومكِ، يا آنسة جيني.
وجاءه الرد من ضحكةٍ عاليةٍ مألوفة: — “هاهاهاها! لا دمامل ولا صديد! ما زلت وسيماً كما عهدتموني!”
اقتطف واحدة من الورود، ورفعها بلطف. فردّت السفينة بأزيزٍ ناعم، كأنها فرحة.
— تفضّل يا مولاي.
كان هوكينز أول من تقدّم بخطواته، وتبعه بقية القراصنة وهم يتنهّدون: “يا إلهي، هل هذا الأحمق هو قائدنا حقًا؟”
انحنت غريلا وهي تشير إليه بالدخول. وكانت جيني، وقد استعادت شكلها الجديد، تتبع الملك ككلبٍ مخلص. حيثما سار، اندفعت أغصان الورود إليه. حاول أحد القراصنة أن يقطف وردة منها، لكنها صفعت يده بقسوة، فتأوّه وأبعد أصابعه المتورّمة.
رفع الملك صولجانه المصنوع من العظم، وطرقه بلطف على عمود البلور. عندها… منح جلالته الإذن.
تنقسم مقصورة البارجة ذات الأجنحة التنينية إلى ثلاثة طوابق، وفي غرفة القيادة، رأى الملك جوهر هذا الكائن الحي المصنوع من الخيمياء.
ازدادت لهاثات اللوردات وهم يترقّبون. وتواصل وصول القادمين…
لهيبٌ أزرق يتوهّج داخل عمود بلوري شفاف، يطفو بين الهواء كالروح، ويرقص بانفعالٍ ما إن دخل الملك الغرفة، كما لو أنه يحييه بشوق. كانت له وعي واضح. بجانب هذا العمود، رُصّت لفائف ضخمة من العقود القديمة. ما إن رآها الملك، حتى نظر إلى الشيطان الذي وقف صامتًا بجانبه.
الفصل 120: وليمة الجحيم
كانت غريلا قد أتمّت كافة التجهيزات المسبقة. العقود التي عقدها القراصنة مع السفينة منذ زمن طويل، تلك التي سُفكت دماؤهم فوقها، ووقّعت أرواحهم عليها، كانت جاهزة لاستدعاء أرواحهم من نهر الموتى.
رفع الملك صولجانه المصنوع من العظم، وطرقه بلطف على عمود البلور. عندها… منح جلالته الإذن.
نشرت غريلا تلك العقود واحدةً تلو الأخرى. كانت الكلمات المكتوبة عليها تتوهّج بنور خافت تحت وهج النيران. في نهاية كل عقد، كانت بقعة دم قديمة تُمثّل توقيع القبطان، أو أحد أفراد الطاقم.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com كان هوكينز، القبطان المعتوه دوماً، يراقب الملك بصمت. وقف هناك يعضّ عود الحشيش بين أسنانه، وعيناه معلّقتان على ذاك الملك ذو الشعر الفضي، ينزل من الدرج، يتماوج شعره مع الريح. للحظة، ظنّ أن الشاب القادم أمامه هو نفسه وليام الثالث، دوق باكنغهام الشاب، في سالف الزمان.
أوقدت الساحرة شمعةً غريبةً بلون رماديّ باهت، وبدأ الدخان الأبيض يتصاعد منها ببطء، فيما بدأ الدم السائل على العقود يتمدد ويتفاعل.
— “وفْق مبدأ المعاوضة المكافئة…”
— “وفْق مبدأ المعاوضة المكافئة…”
وما إن همّ أحد اللوردات بالتقدّم، وقد تملّكه الطمع، حتى…
بدأت غريلا تهمس بنصّ العهد الأصلي بصوتٍ خفيض، تقرأ بنبرة ثابتة، بندًا بعد بند. ذلك العقد، الذي شمل الأرواح من لحظة توقيع الدم، قد مكّنها الآن من خرق قوانين الموت، واستدعاء من ماتوا.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “نقطة… نقطة…” كان صوت تقاطر سائلٍ ما على الأرض، باردًا حدّ الجمود.
تراقص اللهب في العمود الزجاجي، واهتز الهواء المحيط كما لو أنه اجتاحته ريح غير مرئية. تبلّلت جبين الساحرة بعرقٍ بارد، إذ بدأت تشعر بمقاومة أخرى، مقاومة مصدرها قوانين الجحيم نفسها. لم تكن الروح لتُستعاد بسهولة؛ إذ أن كل من يدخل نهر الموتى، يصبح ملكًا لحاكم الجحيم، ولا يُسمح بخروجه إلا بإذنٍ أعلى.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com لهيبٌ أزرق يتوهّج داخل عمود بلوري شفاف، يطفو بين الهواء كالروح، ويرقص بانفعالٍ ما إن دخل الملك الغرفة، كما لو أنه يحييه بشوق. كانت له وعي واضح. بجانب هذا العمود، رُصّت لفائف ضخمة من العقود القديمة. ما إن رآها الملك، حتى نظر إلى الشيطان الذي وقف صامتًا بجانبه.
— “ليكن الحاكم الأعظم، الأزلي، شاهداً على هذا العهد، بقوّته وجلاله.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “نقطة… نقطة…” كان صوت تقاطر سائلٍ ما على الأرض، باردًا حدّ الجمود.
ارتفعت العقود في الهواء، وارتجّت غرفة القيادة. لم تستطع غريلا تحمّل الضغط أكثر، فسقطت على ركبتيها، وجبهتها ملامسة للأرض، تستجدي، لا الملك، بل السلطة التي يمثلها.
نشرت غريلا تلك العقود واحدةً تلو الأخرى. كانت الكلمات المكتوبة عليها تتوهّج بنور خافت تحت وهج النيران. في نهاية كل عقد، كانت بقعة دم قديمة تُمثّل توقيع القبطان، أو أحد أفراد الطاقم.
رفع الملك صولجانه المصنوع من العظم، وطرقه بلطف على عمود البلور.
عندها… منح جلالته الإذن.
اقتطف واحدة من الورود، ورفعها بلطف. فردّت السفينة بأزيزٍ ناعم، كأنها فرحة. — تفضّل يا مولاي.
وفي لحظة واحدة، اندلع ضوء ساطع من غرفة القيادة، امتد ليشمل كل السفن.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com مدّ الملك يده إلى السلم الذي أفرزته جيني طوعًا، وصعد إلى ظهرها الحديدي. لمّا لمس حديد السياج، اندفعت من تحته أغصان وردٍ خضراء داكنة، تتدلّى منها زهورٌ قانية، تلامس أصابعه بودّ.
على سطح البارجة، كان القراصنة ينتظرون في صمتٍ مريب. اختفت ضحكاتهم المعتادة، ولم يبقَ سوى الترقّب. الكل يحدّق بالسلم المؤدي إلى الداخل، قلوبهم معلّقة بخيطٍ من الرجاء.
— “ليكن الحاكم الأعظم، الأزلي، شاهداً على هذا العهد، بقوّته وجلاله.”
وفجأة، اندفعت موجة من الضوء الأزرق عبر الدرج، ابتلعت الجميع في آنٍ واحد. كان الضوء مشبعًا بجلالٍ لا يُوصف، جعلهم يركعون تلقائيًا، دون تفكير.
ازدادت لهاثات اللوردات وهم يترقّبون. وتواصل وصول القادمين…
— “هل… نجح الأمر؟”
سأل أحد القراصنة وهو يرفع رأسه ببطء.
تنحنح بصوتٍ أجش، ثم قذف بالعود من فمه، وصرخ كديكٍ أعلن فجر معركة: — آه، سيدي الملك! طال البعد، ويبدو أن أحوالك في الجحيم تسير على خير ما يرام!
وجاءه الرد من ضحكةٍ عاليةٍ مألوفة:
— “هاهاهاها! لا دمامل ولا صديد! ما زلت وسيماً كما عهدتموني!”
داخل القاعة، جلس الملك وحده، على عرشه العالي. كان اللوردات قد وصلوا، واتخذوا هيئة بشرٍ زائفين: بعضهم بأجنحة مضمومة، آخرون بقرونٍ مخفية، أو ذيول ملتفة تحت أثواب الحرير. جميعهم يرتدون خواتم من العظم… خاتم السلطة.
ارتفعت الهتافات، وبدأ القراصنة يتعانقون مع رفاقهم العائدين من الموت. لم يكن لأحدهم أيدي متعفّنة، أو أجساد ملطّخة بما تركته الطاعون.
رفع الملك صولجانه المصنوع من العظم، وطرقه بلطف على عمود البلور. عندها… منح جلالته الإذن.
— “ما هذا… لماذا السفينة كبرت؟!”
سأل أحد القراصنة وهو يحلّق حول الصاري كطيفٍ هائم، فاغرًا فمه من الدهشة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com مدّ الملك يده إلى السلم الذي أفرزته جيني طوعًا، وصعد إلى ظهرها الحديدي. لمّا لمس حديد السياج، اندفعت من تحته أغصان وردٍ خضراء داكنة، تتدلّى منها زهورٌ قانية، تلامس أصابعه بودّ.
— “ارجع لي أموالي يا محتال! دين الخمر لن أسامحك فيه!”
صرخ أحدهم على صديقه، فردّ الآخر ضاحكًا:
— “وما دخل الدين الذي علي عندما كنت حي وأنا الان ميت؟!”
— طاب يومكِ، يا آنسة جيني.
وهكذا، امتلأت السفينة مجددًا بضحكات الحياة، بصوت الموتى الذين عادوا.
صعد هوكينز إلى السطح، وردة معلّقة بين شفتيه، ونادى بصوتٍ أجش:
— “أهلاً برجالي.”
رفع القراصنة قبعاتهم ولوّحوا بها نحو الملك بحماسة لا تخلو من الفخر، يبتسمون بشغف كما لو أن هذا التحول الغريب في السفينة لم يكن غريبًا على الإطلاق. كانوا فخورين.
صعد الملك أيضًا، والشيطان يدور بمظلته ببطء. غريلا، الهادئة دوماً، بدا على شفتيها لأول مرة بسمة خفيفة.
حينها، هتف القراصنة بكل ما فيهم من ولاء:
— “يحيا لغراند!”
— “يحيا الملك!”
رفعوا رؤوسهم بدهشة وهم يشاهدون فوق رؤوسهم كائنات غريبة تطير على سحب داكنة. كائنات خرجت من كوابيس بشرية: وحوش بأظلاف شيطانية، وذوات قرون، وثعابين تجرّ أذرعًا عديدة وعيونًا مركبة. كلها جاءت لتلبي دعوة الملك إلى مائدته.
وانتشرت الصيحات فوق بحر الجحيم الملتهب، تنعكس على الوجوه التي تحدّت الموت، لتعود من أجله.
انحنت غريلا وهي تشير إليه بالدخول. وكانت جيني، وقد استعادت شكلها الجديد، تتبع الملك ككلبٍ مخلص. حيثما سار، اندفعت أغصان الورود إليه. حاول أحد القراصنة أن يقطف وردة منها، لكنها صفعت يده بقسوة، فتأوّه وأبعد أصابعه المتورّمة.
في مدينة الملك بلاكستون،
وفي اليوم السابع على قدوم الملك،
فُتحت أبواب القلعة على مصراعيها، وانحنت رؤوس التنانين حتى مست الأرض.
أُضيئت جميع الشمعدانات، وفُتحت كل النوافذ دفعة واحدة.
تنحنح بصوتٍ أجش، ثم قذف بالعود من فمه، وصرخ كديكٍ أعلن فجر معركة: — آه، سيدي الملك! طال البعد، ويبدو أن أحوالك في الجحيم تسير على خير ما يرام!
خرج خدم الدماء بأثوابهم المطرّزة، واحدًا تلو الآخر من قصر الموت، سيوفهم على خصورهم، يصطفون على جانبي السلالم العظمية المؤدية إلى القاعة الكبرى.
كان اليوم هو يوم وليمة الملك.
تراقص اللهب في العمود الزجاجي، واهتز الهواء المحيط كما لو أنه اجتاحته ريح غير مرئية. تبلّلت جبين الساحرة بعرقٍ بارد، إذ بدأت تشعر بمقاومة أخرى، مقاومة مصدرها قوانين الجحيم نفسها. لم تكن الروح لتُستعاد بسهولة؛ إذ أن كل من يدخل نهر الموتى، يصبح ملكًا لحاكم الجحيم، ولا يُسمح بخروجه إلا بإذنٍ أعلى.
طوال تلك الأيام، كانت بلاكستون تعجّ بالحركة، فيما التزمت بقية أنحاء الجحيم الصمت القاتل. سكنت الأرض، لكن الأعماق كانت تعجّ بالاضطراب.
وبعد كل هذه المدة، بدأ أفراد قسم الصناعات الحربية يدركون أنهم ليسوا في عالم البشر، بل في قلب الجحيم ذاته.
تراقص اللهب في العمود الزجاجي، واهتز الهواء المحيط كما لو أنه اجتاحته ريح غير مرئية. تبلّلت جبين الساحرة بعرقٍ بارد، إذ بدأت تشعر بمقاومة أخرى، مقاومة مصدرها قوانين الجحيم نفسها. لم تكن الروح لتُستعاد بسهولة؛ إذ أن كل من يدخل نهر الموتى، يصبح ملكًا لحاكم الجحيم، ولا يُسمح بخروجه إلا بإذنٍ أعلى.
رفعوا رؤوسهم بدهشة وهم يشاهدون فوق رؤوسهم كائنات غريبة تطير على سحب داكنة.
كائنات خرجت من كوابيس بشرية: وحوش بأظلاف شيطانية، وذوات قرون، وثعابين تجرّ أذرعًا عديدة وعيونًا مركبة.
كلها جاءت لتلبي دعوة الملك إلى مائدته.
نشرت غريلا تلك العقود واحدةً تلو الأخرى. كانت الكلمات المكتوبة عليها تتوهّج بنور خافت تحت وهج النيران. في نهاية كل عقد، كانت بقعة دم قديمة تُمثّل توقيع القبطان، أو أحد أفراد الطاقم.
في ذلك اليوم، أدرك عمال التصنيع العسكري أن الهياكل العظمية، التي تعايشوا معها كزملاء لطفاء، لم تكن سوى جنود موتى رهيبين.
توقّف أولئك الهياكل عن العمل، وانتصبوا في تشكيلٍ قتاليٍّ مخيف، اللهب البارد يشتعل في محاجرهم، والرماح في أيديهم، بانتظار أوامر قائدهم.
— “هل… نجح الأمر؟” سأل أحد القراصنة وهو يرفع رأسه ببطء.
مرّ أحد السادة الزواحف من أمام قاعدة التصنيع. رمق البشر الواقفين بتجمّد بالأسفل، وقال بصوتٍ أجوف كالطَرق على حائطٍ من الحديد:
— “بشر…”
— “هل… نجح الأمر؟” سأل أحد القراصنة وهو يرفع رأسه ببطء.
لكن دون أن يفسح له أحدٌ الطريق، رفع قائد الهياكل العظمية يده، وفي لحظة، وُجّهت كل الرماح نحو السيد المتغطرس، كصفٍ واحد من الموت المؤكّد.
رمقهم الزاحف باحتقار، ثم شق طريقه نحو القلعة دون أن ينبس بكلمة.
الفصل 120: وليمة الجحيم
داخل القاعة،
جلس الملك وحده، على عرشه العالي.
كان اللوردات قد وصلوا، واتخذوا هيئة بشرٍ زائفين: بعضهم بأجنحة مضمومة، آخرون بقرونٍ مخفية، أو ذيول ملتفة تحت أثواب الحرير.
جميعهم يرتدون خواتم من العظم… خاتم السلطة.
داخل القاعة، جلس الملك وحده، على عرشه العالي. كان اللوردات قد وصلوا، واتخذوا هيئة بشرٍ زائفين: بعضهم بأجنحة مضمومة، آخرون بقرونٍ مخفية، أو ذيول ملتفة تحت أثواب الحرير. جميعهم يرتدون خواتم من العظم… خاتم السلطة.
كان موسيقيو المحكمة يعزفون لحنًا خافتًا لا يخلو من روعة، لكن الأجواء ظلت مشحونة، غير مستقرة.
اللوردات الذين وصلوا مبكرًا، جلسوا في مقاعدهم دون أي انحناء أو تحية، في إعلانٍ صريح بعدم خضوعهم للملك.
نشرت غريلا تلك العقود واحدةً تلو الأخرى. كانت الكلمات المكتوبة عليها تتوهّج بنور خافت تحت وهج النيران. في نهاية كل عقد، كانت بقعة دم قديمة تُمثّل توقيع القبطان، أو أحد أفراد الطاقم.
جلس الملك بثبات، تاج الأشواك على رأسه، ويده تمسك بزجاجةٍ ذهبية، يسكب منها كأسًا ويشرب دون أن ينبس بكلمة، وكأن احتقارهم لا يعنيه بشيء.
لكن أعينهم، كانت كلّها تراقب يده — الكأس الذهبي، خاتم العظم، وخاتم الوردة…
رموز القوة، في يد بشرٍ فاني.
تنحنح بصوتٍ أجش، ثم قذف بالعود من فمه، وصرخ كديكٍ أعلن فجر معركة: — آه، سيدي الملك! طال البعد، ويبدو أن أحوالك في الجحيم تسير على خير ما يرام!
في قلوبهم، كان الحذر يتصارع مع الطمع.
من يجرؤ على الهجوم؟ من سيظفر بالحلقات الثلاث؟
ومن سيواجه الشيطان الذي يخدم الملك؟
كان موسيقيو المحكمة يعزفون لحنًا خافتًا لا يخلو من روعة، لكن الأجواء ظلت مشحونة، غير مستقرة. اللوردات الذين وصلوا مبكرًا، جلسوا في مقاعدهم دون أي انحناء أو تحية، في إعلانٍ صريح بعدم خضوعهم للملك.
ازدادت لهاثات اللوردات وهم يترقّبون.
وتواصل وصول القادمين…
أوقدت الساحرة شمعةً غريبةً بلون رماديّ باهت، وبدأ الدخان الأبيض يتصاعد منها ببطء، فيما بدأ الدم السائل على العقود يتمدد ويتفاعل.
دخل خدم الدماء مجددًا، بأطباقٍ فضية مغطاة، اصطفوا بجانب الموائد الطويلة، ثابتين كتماثيل، وكأنهم لا يشعرون بهالة الجشع القاتلة التي تملأ المكان.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com وانتشرت الصيحات فوق بحر الجحيم الملتهب، تنعكس على الوجوه التي تحدّت الموت، لتعود من أجله.
وما إن همّ أحد اللوردات بالتقدّم، وقد تملّكه الطمع، حتى…
وفجأة، اندفعت موجة من الضوء الأزرق عبر الدرج، ابتلعت الجميع في آنٍ واحد. كان الضوء مشبعًا بجلالٍ لا يُوصف، جعلهم يركعون تلقائيًا، دون تفكير.
“نقطة… نقطة…”
كان صوت تقاطر سائلٍ ما على الأرض، باردًا حدّ الجمود.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com مدّ الملك يده إلى السلم الذي أفرزته جيني طوعًا، وصعد إلى ظهرها الحديدي. لمّا لمس حديد السياج، اندفعت من تحته أغصان وردٍ خضراء داكنة، تتدلّى منها زهورٌ قانية، تلامس أصابعه بودّ.
— “خطى…”
دخل خدم الدماء مجددًا، بأطباقٍ فضية مغطاة، اصطفوا بجانب الموائد الطويلة، ثابتين كتماثيل، وكأنهم لا يشعرون بهالة الجشع القاتلة التي تملأ المكان.
خطوات خفيفة دخلت من بوابة القاعة.
تجمّدت قلوب الجميع، وتيبّست عظامهم وهم ينظرون.
من دخل لم يكن بشريًا، بل كان هو… هو نفسه، الشيطان.
رفرفت أجنحة العظام على دعامات القلعة مرةً أخرى، تصدح بهديرٍ أشبه بصافرة قديمة ضائعة، تمتد أصداؤها من ركن إلى آخر في القصر. وعلى مقربة من الجرف شبه العمودي، انخفض جناح التنين الحربي بسلاسة، واستقر بتؤدة قرب رصيف الميناء الغارق في بحر النار، وكأن التنين المتوحش انصاع فجأةً لسيّد جديد.
بثوبٍ أسود كليلةٍ بلا قمر، وخلفه ظلٌّ ثقيل من الحداد.
في يده اليمنى سيفٌ أبيض يلمع، وفي يده اليسرى رأس مقطوع، ما زال الدم الأسود يتقاطر منه كنافورةٍ من اللعنة.
خطوات خفيفة دخلت من بوابة القاعة. تجمّدت قلوب الجميع، وتيبّست عظامهم وهم ينظرون. من دخل لم يكن بشريًا، بل كان هو… هو نفسه، الشيطان.
أنحنى الشيطان ركبته أمام العرش،
وتقدّم خادم الدم ليرفع غطاء الطبق الفضي، فوضع الرأس عليه، وقال:
— “مولاي، هذا اللورد، رفض الحضور.”
— “فأتيتُ به، ليُقدّم اعتذاره.”
تراقص اللهب في العمود الزجاجي، واهتز الهواء المحيط كما لو أنه اجتاحته ريح غير مرئية. تبلّلت جبين الساحرة بعرقٍ بارد، إذ بدأت تشعر بمقاومة أخرى، مقاومة مصدرها قوانين الجحيم نفسها. لم تكن الروح لتُستعاد بسهولة؛ إذ أن كل من يدخل نهر الموتى، يصبح ملكًا لحاكم الجحيم، ولا يُسمح بخروجه إلا بإذنٍ أعلى.
انحنت غريلا وهي تشير إليه بالدخول. وكانت جيني، وقد استعادت شكلها الجديد، تتبع الملك ككلبٍ مخلص. حيثما سار، اندفعت أغصان الورود إليه. حاول أحد القراصنة أن يقطف وردة منها، لكنها صفعت يده بقسوة، فتأوّه وأبعد أصابعه المتورّمة.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات