شظية الماضي، جرائم أغسطس
الفصل 27 : شظية الماضي، جرائم أغسطس.
“كانت كذلك,” رد ليو. “لكنهم أٌبيدوا.”
ديسمبر 2008؛ إقليم كامبانيا، إيطاليا.
“لماذا؟” سألت جولي، تتوسل للحصول إجابة، مصارعةً فقدان الدم واليأس القاتل. “ما… ماذا فعلنا… لك؟”
كانت جولي كوستا تعتني بحديقتها، مُعجلةً نمو القمح المزروع فيها.
قبل أن تدرك الأمر، انقلب عالم جولي رأسًا على عقب. دمّر مختلٌ مدينة ساليرنو في موجة جنونية تغذيها القوة، واستولى ديكتاتور جينومي شمولي يُدعى ميكرون على وسط أوروبا، وتعرّضت إيطاليا بأكملها لقصف شامل أعادها إلى العصر الحجري.
حين تدفقت هالة خضراء عبر النبات، بدأ يُنتج محاصيل بنفسجية، مليئة بالعناصر الغذائية. كانت قد أمضت أسابيع في ضبط النسبة الدقيقة للبروتين، وتحسين مقاومة النبات للبرد، وزيادة قدرته على إزالة الملوثات من التربة.
جينوم من الجيل الثاني.
كانت قدرة جولي الخضراء تتفعّل كلما لمست كائناً حيًا، ما أتاح لها أن تفهم بشكل فطري كيف يعمل جسده، حتى على المستوى الجيني. كانت قادرة على إجراء تعديلات طفيفة على الحمض النووي، وتربية أنواع جديدة من كائن حي واحد فقط.
فضلًا عن ذلك، كان قد أنفق ما يكفي من الموارد لبناء سمعة طيبة. لا حاجة لأن يعقّد أحدٌ الرواية بحكايات مزعجة.
لم يكن هذا النبات المميز سوى واحد من محاصيل تجريبية عديدة تنمو داخل المزرعة. مثل قمح قادر على النمو في بيئة ملوثة، ذرة تمتص الإشعاع المحيط… كانت قطعة الأرض الخاصة بها تجمّعًا غريبًا وملونًا من التركيبات النباتية الفريدة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com لكنها لم تهدأ أبدًا.
ورغم أن الشمس كانت قد غابت، إلا أن الضوء سطع عليها، ما جعل عالمة الأحياء ذات الثلاثين عامًا تتوقف في مكانها.
“لا تمزح في هذا،” وبّخته جولي بلطف، لكنه لوّح بيده متجاهلًا، ثم سار نحو بوابات المعسكر الرئيسية.
“جولي،” دوّى صوت رجلٍ فوقها، صوته أشبه بصوت جمر يحترق في الخشب. “أما زلتِ تعملين حتى هذا الوقت؟”
“لماذا؟” سألت جولي، تتوسل للحصول إجابة، مصارعةً فقدان الدم واليأس القاتل. “ما… ماذا فعلنا… لك؟”
“مرحبًا، ليونارد،” رفعت جولي رأسها إلى الرجل الطائر على ارتفاع أربعة أمتار فوقها، وهو ما كان عبارةً عن شكل بشري مكوَّن من لهبٍ ونورٍ ساطع. “يمكنني قول الشيء نفسه عنك.”
“وأنا أحبك أيضًا.”
حتى عندما خفّف من شدة نور جسده، كان من الصعب النظر إلى ليو هارغريفز. فقد منحه إكسيره الأحمر القدرة على التحول إلى شمس حية، محوّلًا لحمه البشري إلى لهب شمسي، ويمنحه تحكمًا في جاذبيته الخاصة. أخبرها ليونارد ذات مرة أنه دائمًا ما يقمع معظم قوته، وإلا قد يحرق مدنًا بأكملها بمجرد وجوده.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com هزّ الجينوم الأحمر العظيم رأسه. “بيثيا تريد منا أن نتحرك شمالًا ونقاتل ميكرون. لقد رأت أنه سيطوّر أسلحة مدارية خلال بضع سنوات، بعواقب كارثية لاحقًا. وهناك مختلةٌ جديدة في فرنسا، اسمها الطاعون الهائج، وهي جائحة حية يزداد خطرها بشكل أُسّي كلما بقيت نشطة.”
وعلى عكس العديد من الجينومات، فإن زعيم الكرنفال كان دائمًا يستخدم اسمه الحقيقي، مؤمنًا بأن ذلك يجعله مسؤولًا وأكثر جدارة بالثقة. لكن ذلك لم يمنع الناس من منحه لقبًا يليق بقوته الهائلة:
ثم ضربت صاعقة أقوى المنزل الرئيسي، محطمةً الجدران ومشعلة النار في المبنى كله. “علينا الإخلاء، سيدتي!” صاح بيني وهو يمسك بذراعها.
ليو الشمس الحية.
“سيدة كوستا؟” سأل حين لمح جولي. صوته كان عميقًا ومفعمًا بالهيبة.
ولسوء الحظ، كان هذا المسكين يحرق ملابسه في كل مرة يتحوّل فيها. القوة غير المحدودة تأتي دائمًا مع ثمن.
“أي نوع من المسافرين؟” سأل برونو.
“هل زوجكِ هنا؟” سألها ليونارد. “فلديّ أخبارٌ.”
الفصل 27 : شظية الماضي، جرائم أغسطس.
“إنه يضع جوليا في السرير،” أجابت. “هل قررت أخيرًا المضي قدمًا؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com تأمل الرجل العاجي الاثنين بنظرة تملؤها التسلية. ذكرَت جولي بنظرة نسر إلى جملٍ يحتضر؛ أو بقاتلٍ يلهو بضحيته قبل أن يجهز عليها.
أومأ الرجل الناري برأسه بإيماءة مشوبة بالأسى، وكان حضوره يجذب بعض الأنظار. ففي هذه الساعة، كان أغلب أفراد المجتمع لا يزالون مستيقظين؛ بعضهم يحرُس الجدران، أو يعتني بالمزارع، أو يلعب النرد خارجًا.
“وأنا أحبك أيضًا.”
كانت مزرعة عائلة كوستا تضم منزلًا كبيرًا، وأكواخًا، وإسطبلًا، وأراضي زراعية، وعدة حظائر للحيوانات. كان يعيش في هذا المكان ما يقارب العشرين شخصًا، معظمهم من اللاجئين الذين استقبلتهم جولي وزوجها بعد اندلاع حروب الجينومات. وبمرور الوقت، أنشأ المجتمع المحلي أسوارًا خشبية وتحصينات حول المزرعة لردع الهجمات من قطاع الطرق والنهابين.
“هل أُبيدوا؟” عبس برونو. “بمعنى—”
وفي الواقع، كانت إحدى تلك الهجمات هي سبب تعارف جولي على ليونارد. إذ قام كرنفاله بقتل زعيم عصابة جينوم كان يرهب الإقليم، ثم بقوا هناك للتأكد من أن المجتمعات المحلية قادرة على إعالة نفسها.
“فكّرتُ في شيءٍ أفضل.”
خرج زوجها برونو من الإسطبل، رجلٌ قوي البنية، وسيم، ذو شعر أسود وعيون زرقاء، وابتسم حين رأى ليونارد. كان يضع العديد من السكاكين حول حزامه، إذ كانت قوته تتيح له تحويل أي نصل إلى سلاح حاد بما يكفي لقطع أي شيء. الخشب، الفولاذ، الألماس… لا شيء يمكنه مقاومته.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “أليست ندرانجيتا هي من تسيطر على المنطقة؟” سأل برونو. كانت مافيا كالابريا قد استولت على الإقليم بعد أن تلقى بعض أعضائها إكسيرًا، وتفوقوا على السلطات المحلية.
حين علم الناس بقدرته، ظن معظمهم أن برونو قاتل شرس، لكن لم يكن هناك شيء أبعد عن الحقيقة من هذا الاعتقاد. كان زوج جولي أطيب وأرق إنسان على وجه الأرض، ولم يستخدم هبته سوى على الماشية.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “أنت دائمًا مُرحّب بكَ بيننا،” قال برونو. “جوليا ستكون الأشد حزنًا. إنها تناديك الآن بالعم ليو، أتعلم؟”
وكانت تلك الطيبة هي ما جعلها تقع في حبه منذ البداية. كانت جولي قد انتقلت إلى كامبانيا عام 2002 لتبحث في ارتفاع حالات السرطان في الإقليم لأطروحة الدكتوراه الخاصة بها. وأجرت مقابلة مع برونو كجزء من بحثها، وما بدأ كمشروع أكاديمي، تحول إلى زواج سعيد.
وهكذا، انطلق ليونارد هارغريفز في السماء، محلقًا عبر الليل بسرعة طائرة مقاتلة.
ثم حدثت كارثة عيد الفصح الأخير.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “حسنًا، سأقابله. نأمل أن يكون مجرد جنون عظمة.” وضع برونو يده على كتف بيني. “أعهد إليك بزوجتي، يا صديقي.”
صندوق العجائب ذاك… لم تفهم جولي بعد لماذا تم اختيار عائلتها لتستلمه. لماذا حصل زوجان يعيشان في وسط اللاشيء على إكسير؟ ولماذا قام ذلك الخيميائي المجنون بتوزيع شيء بهذه الخطورة أصلًا؟.
ولسوء الحظ، كان هذا المسكين يحرق ملابسه في كل مرة يتحوّل فيها. القوة غير المحدودة تأتي دائمًا مع ثمن.
قبل أن تدرك الأمر، انقلب عالم جولي رأسًا على عقب. دمّر مختلٌ مدينة ساليرنو في موجة جنونية تغذيها القوة، واستولى ديكتاتور جينومي شمولي يُدعى ميكرون على وسط أوروبا، وتعرّضت إيطاليا بأكملها لقصف شامل أعادها إلى العصر الحجري.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com أومأ الرجل الناري برأسه بإيماءة مشوبة بالأسى، وكان حضوره يجذب بعض الأنظار. ففي هذه الساعة، كان أغلب أفراد المجتمع لا يزالون مستيقظين؛ بعضهم يحرُس الجدران، أو يعتني بالمزارع، أو يلعب النرد خارجًا.
وبما أن مزرعة العائلة كانت بعيدة عن المراكز السكانية، فقد نجت من الدمار. قرر برونو الاحتماء بها، في انتظار أن تهدأ الأمور.
“قُضي عليهم. رجال، نساء، وأطفال.” شبك ليو ذراعيه المشتعلتين. “الجهة المسؤولة هي على ما يبدو فرع من الكامورا، لكنها أشد فتكًا بعشر مرات. تسعى لتوحيد عائلات المافيا تحت راية واحدة، وإذا واجهت مقاومة، فإن جينوماتهم لا تترك أي ناجين. وقد أصبح من الصعب جدًا تتبع أعضائهم، والمجتمعات التي يخضعونها لا تتحدث مع الغرباء حتى.”
لكنها لم تهدأ أبدًا.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com نعم. عبء القوى.
“برونو، جولي، لقد كانت فترة ممتعة” قال ليونارد. “لكن للأسف، حان الوقت ليرتحل الكرنفال”.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “اركعي”، أمر.
“إذًا لقد حان الوقت، أليس كذلك؟” قال برونو، وقد بدا عليه الحزن بوضوح، “لم يمضِ سوى شهرين، لكنني أشعر أنكم أصبحتم جزءًا من هذا المكان”.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com ومع ذلك، بينما كان ينظر إلى عينيها الزرقاوين، لم يستطع رجل العصابات إلا أن يشعر بلمحةٍ من الخزي. شعورٌ غريب، لا يليق بمثله، ومع ذلك لم يستطع طرده.
“آه! ربما في يوم من الأيام، عندما تعود السكينة، سأبني لنفسي منزلًا قريبًا.” رغم أنها لم تستطع رؤية وجهه من خلال اللهيب، كانت جولي مقتنعة بأن ليونارد كان يبتسم من أذن إلى أذن. “فكامبانيا إقليمٌ جميلٌ بحق.”
كانت كذلك. حتى الفوضى العارمة لم تستطع تغيير ذلك. “إذًا هذا وداع، لا فراق،” قالت جولي بتفاؤل.
كانت كذلك. حتى الفوضى العارمة لم تستطع تغيير ذلك. “إذًا هذا وداع، لا فراق،” قالت جولي بتفاؤل.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “أنت دائمًا مُرحّب بكَ بيننا،” قال برونو. “جوليا ستكون الأشد حزنًا. إنها تناديك الآن بالعم ليو، أتعلم؟”
“أنت دائمًا مُرحّب بكَ بيننا،” قال برونو. “جوليا ستكون الأشد حزنًا. إنها تناديك الآن بالعم ليو، أتعلم؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com قضيا بضع دقائق في التقبيل حتى تجرأ أحدهم على مقاطعتهما. كان بيني، أحد الحراس. المزارع الوحيد الذي يفوق برونو طولًا، والذي لا يذهب إلى أي مكان دون بندقية الصيد الخاصة به. “آسف،يا رئيس,” اعتذر. “لكن مضطر أوقفك قبل ما تتجاوز المرحلة الثانية.”
“‘متى سيأتي العم ليو؟'” قلّدت جولي ابنتها ضاحكةً. “‘العم ليو هو أفضل عم!'”
أطلقت جولي صرخة رعب مروّعة، فيما غرقت المزرعة في فوضى عارمة. اندفع الحراس نحو الفجوة بأسلحتهم، في حين هرع المدنيون نحو المنزل. انطلق برقٌ قرمزي من الدخان، ينقسم ويلتف حول الزوايا. قتلت الصواعق كل من اعترض طريقها، إما بحرق القلب أو تفجير الرأس، قبل أن تنتقل إلى الضحية التالية.
ضحك ليونارد ردًا. “آه، توقفي، إنك تجعلينني أرغب في البقاء بشدة,” قال قبل أن يتنهد. “أعدكِ أنني سأعود من أجل عيد ميلادها.”
ليو الشمس الحية.
“سأتمسك بوعدكَ هذا,” ردت جولي.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com قضى أغسطس الدقائق التالية يمشّط المزرعة بحثًا عن ناجين. كانت دماء امرأة كوستا تقطر من يديه، ملوِّثة بشرته العاجية باللون الأحمر.
“ابنتكِ… ابنتكِ هي المستقبل، بأكثر من طريقة،” قال ليو. “يجب أن نقاتل، حتى يكبر أطفالنا سعداء. مهما كانت الأعباء التي سيحملونها.”
اخترقت قوة هائلة تحصينات المزرعة بقوة كافية لتحطيمها. تناثرت الجثث على الأرض، وقد تم تمزيقها بوحشية. فبالكاد استطاعت جولي التعرف على دونا بينهم، إذ احترق معظم جسدها. أما بييرو، فقد فقد رأسه بالكامل، ولم تعرفه جولي إلا من قميصه الأزرق المميز، الذي أصبح الآن مصبوغًا بالأحمر.
نعم. عبء القوى.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com لم يكن هذا النبات المميز سوى واحد من محاصيل تجريبية عديدة تنمو داخل المزرعة. مثل قمح قادر على النمو في بيئة ملوثة، ذرة تمتص الإشعاع المحيط… كانت قطعة الأرض الخاصة بها تجمّعًا غريبًا وملونًا من التركيبات النباتية الفريدة.
أنجبت جولي وبرونو ابنتهما بعد فترة قصيرة من تناولهما للإكسير. لم تظهر على طفلتهما قوى بعد، لكنها أظهرت بالفعل علامات طفرات جينومية ثانوية. مقاومة للأمراض والسموم، أعضاء متصلبة، شفاء متسارع…
نزل درجًا خشبيًا، ودخل قبوًا تحت الحظيرة. كان معظم الطابق يتكوّن من غرف نوم، لإيواء الأفراد الضعفاء من المجتمع بعيدًا عن الأنظار. خيار ذكي في مثل هذه الأوقات العصيبة. تجاهل أغسطس الغرف الفارغة، وتوقف أمام الوحيدة المأهولة.
جينوم من الجيل الثاني.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com أطلقت صاعقة هائجة زوجها عبر البوابة، ممزقةً إياه نصفين من الخصر.
كانت جولي تشتبه أن هذا كان هدف الخيميائي منذ البداية. أن يُنشئ عرقًا جديدًا من البشر الخارقين القادرين على التكاثر؛ نوعًا سيحل محل الإنسان العاقل، إلى أن يختفي البشر القدماء مثل النياندرتال. ‘1’
“بيني، توقف عن مناداتي بهذا،” قالت جولي بانفعال. “لقد مضى ثلاث سنوات وأنت هنا. أعتقد أننا نستطيع الحديث بالأسماء.”
“هناك منظمة جديدة تُحدث ضجة في كالابريا,” قال ليو. “ظننت أن عليكِ أن تعرفي.”
قبل أن تدرك الأمر، انقلب عالم جولي رأسًا على عقب. دمّر مختلٌ مدينة ساليرنو في موجة جنونية تغذيها القوة، واستولى ديكتاتور جينومي شمولي يُدعى ميكرون على وسط أوروبا، وتعرّضت إيطاليا بأكملها لقصف شامل أعادها إلى العصر الحجري.
“أليست ندرانجيتا هي من تسيطر على المنطقة؟” سأل برونو. كانت مافيا كالابريا قد استولت على الإقليم بعد أن تلقى بعض أعضائها إكسيرًا، وتفوقوا على السلطات المحلية.
كانت قدرة جولي الخضراء تتفعّل كلما لمست كائناً حيًا، ما أتاح لها أن تفهم بشكل فطري كيف يعمل جسده، حتى على المستوى الجيني. كانت قادرة على إجراء تعديلات طفيفة على الحمض النووي، وتربية أنواع جديدة من كائن حي واحد فقط.
“كانت كذلك,” رد ليو. “لكنهم أٌبيدوا.”
كان ذلك مريبًا. تبادلت جولي نظرة قلق مع زوجها، الذي بدا عليه الشك بوضوح. “كم عدد الأشخاص المستيقظين؟” سأل برونو بيني.
“هل أُبيدوا؟” عبس برونو. “بمعنى—”
كما كانت جولي تخشى، كان هناك عدد هائل من الجينومات الخطرة حول العالم. بعضهم كان تهديدًا وجوديًا للبشرية بأسرها، ولم يكن كرنفال ليو قادرًا على التواجد في كل مكان.
“قُضي عليهم. رجال، نساء، وأطفال.” شبك ليو ذراعيه المشتعلتين. “الجهة المسؤولة هي على ما يبدو فرع من الكامورا، لكنها أشد فتكًا بعشر مرات. تسعى لتوحيد عائلات المافيا تحت راية واحدة، وإذا واجهت مقاومة، فإن جينوماتهم لا تترك أي ناجين. وقد أصبح من الصعب جدًا تتبع أعضائهم، والمجتمعات التي يخضعونها لا تتحدث مع الغرباء حتى.”
كانت تلك هي كلفة المناعة. لقد حمته حتى من الإكسير الثالث، فمنعته من تناوله. لكن تقبّل أغسطس ذلك. فقد ابتسمت له السماء بما يكفي، وهي تكره الجشع.
“هل ستقاتل هؤلاء؟” سألته جولي بقلق. فكالابريا ليست بعيدة جدًا عن كامبانيا.
“أنتِ تذكرينني بابنتي،” اعترف أغسطس، فيما كانت دموع الفتاة الصغيرة تتساقط على وجنتيها. “لها نفس عينيكِ.”
هزّ الجينوم الأحمر العظيم رأسه. “بيثيا تريد منا أن نتحرك شمالًا ونقاتل ميكرون. لقد رأت أنه سيطوّر أسلحة مدارية خلال بضع سنوات، بعواقب كارثية لاحقًا. وهناك مختلةٌ جديدة في فرنسا، اسمها الطاعون الهائج، وهي جائحة حية يزداد خطرها بشكل أُسّي كلما بقيت نشطة.”
وفي الواقع، كانت إحدى تلك الهجمات هي سبب تعارف جولي على ليونارد. إذ قام كرنفاله بقتل زعيم عصابة جينوم كان يرهب الإقليم، ثم بقوا هناك للتأكد من أن المجتمعات المحلية قادرة على إعالة نفسها.
كما كانت جولي تخشى، كان هناك عدد هائل من الجينومات الخطرة حول العالم. بعضهم كان تهديدًا وجوديًا للبشرية بأسرها، ولم يكن كرنفال ليو قادرًا على التواجد في كل مكان.
“سأتمسك بوعدكَ هذا,” ردت جولي.
حتى الآن، كان ميكرون، ولوردات الحرب من الجينومات، وبقايا الجيش ما قبل القصف يتقاتلون من أجل السيطرة على الأرض القاحلة التي صنعوها بأيديهم. أطلق الناس عليها اسم حروب الجينوم. كانت المعارك أعنف بكثير في شمال إيطاليا، لكن هذا لا يعني أن الجنوب كان آمنًا.
ومع الوقت، سيغدو كوكب الأرض بأكمله حديقة.
مع انهيار الحضارة، تبنى البشر أسوأ غرائزهم… وأفضلها. كان النهابين، والمختلين، وقطاع الطرق يجوبون الأرياف؛ لكن استقبل برونو العديد من اللاجئين في المزرعة، وشكلوا مجتمعًا مستقرًا.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com المكان الذي يختبئ فيه آخر الناجين.
مجتمعًا، على أمل، أن يساهم في شفاء العالم.
بدأت الطفلة في البكاء، فوضع الجينوم يده على فمها ليسكتها. سيكون الأمر سريعًا. سيقضي عليها بالبرق، أو يكسر عنقها. موت فوري، رحيم. فإن بقيت على قيد الحياة، فستحاول حتمًا أن تؤدي واجبها وتثأر لوالديها.
“سوف نكون حذرين,” وعد برونو، واضعًا يده حول خصر جولي.
أطلقت جولي صرخة رعب مروّعة، فيما غرقت المزرعة في فوضى عارمة. اندفع الحراس نحو الفجوة بأسلحتهم، في حين هرع المدنيون نحو المنزل. انطلق برقٌ قرمزي من الدخان، ينقسم ويلتف حول الزوايا. قتلت الصواعق كل من اعترض طريقها، إما بحرق القلب أو تفجير الرأس، قبل أن تنتقل إلى الضحية التالية.
“رجاءً افعلوا,” قال ليو، وهو يومئ لهما بوداع أخير. “قبّلا جوليا من أجلي.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com ومع ذلك، بينما كان ينظر إلى عينيها الزرقاوين، لم يستطع رجل العصابات إلا أن يشعر بلمحةٍ من الخزي. شعورٌ غريب، لا يليق بمثله، ومع ذلك لم يستطع طرده.
وهكذا، انطلق ليونارد هارغريفز في السماء، محلقًا عبر الليل بسرعة طائرة مقاتلة.
ليو الشمس الحية.
“لم يكن يومًا من عشاق الخطابات الطويلة.” ضمّ برونو زوجته إلى صدره. “سأفتقده.”
“رجاءً افعلوا,” قال ليو، وهو يومئ لهما بوداع أخير. “قبّلا جوليا من أجلي.”
“وأنا أيضًا,” قالت جولي. كان الإقليم يشعر بالأمان بوجود الكرنفال بجانبه. حتى وإن كان مجتمعهم وأحياؤهم قادرين على الدفاع عن أنفسهم، لم يكن أحد يجرؤ على افتعال قتال مع شمسٍ مشتعلة. “لكن هناك الكثير من الناس يحتاجون مساعدته أكثر منا بكثير.”
اخترقت قوة هائلة تحصينات المزرعة بقوة كافية لتحطيمها. تناثرت الجثث على الأرض، وقد تم تمزيقها بوحشية. فبالكاد استطاعت جولي التعرف على دونا بينهم، إذ احترق معظم جسدها. أما بييرو، فقد فقد رأسه بالكامل، ولم تعرفه جولي إلا من قميصه الأزرق المميز، الذي أصبح الآن مصبوغًا بالأحمر.
أومأ زوجها، ناظرًا إلى المحاصيل. “هل أصبحت جاهزة؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com لكن بدلًا من ذلك، اصطدمت الرصاصات بصدره وتسَطّحت عند الارتطام.
“نعم,” قالت. “في الماضي، كنت لأقول إن إدخال أنواع جديدة في النظام البيئي فكرة كارثية، لكن…”
“لا. بالطبع لا.”
“أفضل أن أتناول ذرة بنفسجية على ذرة متوهجة.” ضحك برونو، بينما هزت جولي رأسها ساخرة من نكته السخيفة. ثم قبّلها على شفتيها. “أنا أحبك.”
“أتخافُ…” رمقته جولي بنظرة حادة. “أتخافُ الموت لهذه الدرجة؟”
“وأنا أحبك أيضًا.”
“كانت كذلك,” رد ليو. “لكنهم أٌبيدوا.”
قد تكون الأوقات هذه الأيام صعبة… لكنهم سيتغلبون عليها.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com قام هذا الوحش القاسي، السفّاح، بقتل زوجها… الرجل الطيب الذي لم يؤذِ إنسانًا قط… فقط لأنه قد يُصبح تهديدًا في المستقبل؟.
قضيا بضع دقائق في التقبيل حتى تجرأ أحدهم على مقاطعتهما. كان بيني، أحد الحراس. المزارع الوحيد الذي يفوق برونو طولًا، والذي لا يذهب إلى أي مكان دون بندقية الصيد الخاصة به. “آسف،يا رئيس,” اعتذر. “لكن مضطر أوقفك قبل ما تتجاوز المرحلة الثانية.”
نزل درجًا خشبيًا، ودخل قبوًا تحت الحظيرة. كان معظم الطابق يتكوّن من غرف نوم، لإيواء الأفراد الضعفاء من المجتمع بعيدًا عن الأنظار. خيار ذكي في مثل هذه الأوقات العصيبة. تجاهل أغسطس الغرف الفارغة، وتوقف أمام الوحيدة المأهولة.
ضحك برونو، محررًا نفسه من حضن زوجته. “ما الأمر؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com أومأ الرجل الناري برأسه بإيماءة مشوبة بالأسى، وكان حضوره يجذب بعض الأنظار. ففي هذه الساعة، كان أغلب أفراد المجتمع لا يزالون مستيقظين؛ بعضهم يحرُس الجدران، أو يعتني بالمزارع، أو يلعب النرد خارجًا.
“لدينا زائر. مسافر وحيد يطلب الضيافة.”
وقبل أن تدرك جولي ما الذي أصابها، اخترقت يده جسدها كالسِّكين في الزبدة، فقطعت الضربة ذراعها وطرحتها على ركبتيها. مزّق ألم لا يوصف أعصابها، بينما اندفع سيل من الدماء من عروقها. فأطلقت صرخة تُمزق القلب، وبدأ جسدها يبرد ويخدر.
“في هذه الساعة؟” عبست جولي. كان هذا يحدث أحيانًا، لكن قلّ من يجرؤون على السفر ليلًا في هذه الأيام.
توهّجت عينا أغسطس بغضبٍ متغطرس، ورفع يديه فوق رأس جولي، قابضًا قبضتيه. لم يعد وجهه وجه إلـهٍ زائف يسوده السكون، بل أصبح وجه شيطان غاضب، وجحيميّ.
“أي نوع من المسافرين؟” سأل برونو.
“وأنا أيضًا,” قالت جولي. كان الإقليم يشعر بالأمان بوجود الكرنفال بجانبه. حتى وإن كان مجتمعهم وأحياؤهم قادرين على الدفاع عن أنفسهم، لم يكن أحد يجرؤ على افتعال قتال مع شمسٍ مشتعلة. “لكن هناك الكثير من الناس يحتاجون مساعدته أكثر منا بكثير.”
“من الواضح أنه جينوم، لامع ومعدني بالكامل،” أجاب بيني. لا بد أنه كذلك، ليسافر وحيدًا في الليل عبر الطرق غير الآمنة. “يقول إنه أتى حاملاً الهدايا، ومعه حصان محمّل بالمؤن. وقود، أسلحة، طعام.”
شاهدت جولي ثمانية أشخاص تعرفهم منذ سنوات يموتون في لحظة.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يرسل فيها مجتمع آخر تاجرًا إلى مزرعة كوستا. غالبًا ما كانوا يتبادلون الطعام مقابل أدوات تم انتشالها.
“ن-نعم، بالطبع!” توتر بيني على الفور، وأخذ الأمر بجدية.
لكن للأسف، كان بعض هؤلاء التجار في الحقيقة نهابين متنكرين، يدرسون المجتمع تمهيدًا لهجوم مستقبلي. في السابق، كانت المزرعة تستقبل الجميع، لكن بعد حادثة أودت بحياة ثلاثة منهم، أصبحوا أكثر حذرًا.
إنه… لا يعلم؟ إذًا لماذا؟.
“لا يمكننا السماح له بالدخول,” قالت جولي لبرونو. “آسفة، لكن…”
لم يكن الجينوم يجد في ذلك متعةً خاصة. كان ببساطة يحمي عائلته من انتقامات مستقبلية. قد يكون أغسطس منيعًا كما يُعتقد، لكن ذويه ليسوا كذلك؛ فحتى لو تناول كلٌّ منهم إكسيرًا، يمكنهم أن يموتوا. وبصفته بطريرك عشيرة الأوغسط، والإمبراطور المستقبلي لإيطاليا، لم يرَ فائدة من المخاطرة.
“يمكننا أن نقدم له طعامًا وماءً، لكن لا سقف فوق رأسه,” قال برونو لبيني.
“بييرو، دونا، أليس، ولوكا يصوبون أسلحتهم إلى رأسه الجميل،” أجاب الرجل، واضعًا فوهة بندقيته على كتفه. “وأخبرت الآخرين بتجهيز أسلحتهم، احتياطًا.”
“هذا هو المهم، فهو يقول إنه سيقدم الهدايا فقط ثم يرحل,” أجاب بيني. “لكنه يريد التحدث معك شخصيًا، برونو.”
ضحك ليونارد ردًا. “آه، توقفي، إنك تجعلينني أرغب في البقاء بشدة,” قال قبل أن يتنهد. “أعدكِ أنني سأعود من أجل عيد ميلادها.”
“معي؟”
تحكم في البرق، ونوع من القوة الفائقة. قوتان في آنٍ واحد.
“نعم، سمع عن قوتك وهو متشوق لرؤيتها بنفسه. على ما يبدو، هو يبحث في القوى الخارقة، وفضولي ليرى إن كنت فعلًا تستطيع قطع أي شيء.”
فقد وجدت الجينومات لتحكم البشرية القديمة، لا لتخدمها. كانت نهاية العالم بمثابة اختبار للجنس البشري بأسره، تطهير عظيم يهدف إلى إزالة الفساد، والرخاوة، والإحساس المفرط بالأحقية الذي سمّم أوروبا لزمن طويل. إطعام الجميع سيكون تدليلاً للبشر، ومنعًا لهم من النهوض لملاقاة التحدي.
كان ذلك مريبًا. تبادلت جولي نظرة قلق مع زوجها، الذي بدا عليه الشك بوضوح. “كم عدد الأشخاص المستيقظين؟” سأل برونو بيني.
لا. ليس مختلًا عقليًا. رغم غروره الفجّ، لم ترَ جولي أي أثر للجنون في عينيه القاسيتين. لا رغبة في دماء جينوماتٍ آخرين. لم ترَ سوى غطرسةٍ ساخرة، وازدراءً دمويًا للحياة البشرية.
“بييرو، دونا، أليس، ولوكا يصوبون أسلحتهم إلى رأسه الجميل،” أجاب الرجل، واضعًا فوهة بندقيته على كتفه. “وأخبرت الآخرين بتجهيز أسلحتهم، احتياطًا.”
“ما الذي تقصده—”
“حسنًا، سأقابله. نأمل أن يكون مجرد جنون عظمة.” وضع برونو يده على كتف بيني. “أعهد إليك بزوجتي، يا صديقي.”
فذات يوم، بنى شعب إيطاليا أعظم إمبراطورية عرفها كوكب الأرض؛ وكان قدَر أغسطس أن ينهض بهم من جديد نحو المجد. بفضل قدرته، عثر الجينوم على بابٍ سريٍّ خلفي، فنزعه بيديه العاريتين. وبينما فعل، لاحظ قطعةً صغيرة من دماغ امرأة كوستا عالقةً على جلده المقاوم. مسحها بلا مبالاة، رغم أن إزالة الدم ستتطلب تنظيفًا مخصصًا.
“ن-نعم، بالطبع!” توتر بيني على الفور، وأخذ الأمر بجدية.
“ن-نعم، بالطبع!” توتر بيني على الفور، وأخذ الأمر بجدية.
“لا تمزح في هذا،” وبّخته جولي بلطف، لكنه لوّح بيده متجاهلًا، ثم سار نحو بوابات المعسكر الرئيسية.
“إن كان هناك احتمال، ولو ضئيل، أنكِ ورثتِ قوة والدكِ،” قال وهو يربّت على شعرها بلطف، “فلا يمكنني أن أسمح لكِ بالنجاة.”
نظرت إلى بيني، الذي بدا عليه الارتباك. “آسف، سيدتي. لستُ جيدًا في الأحاديث العادية.”
حتى الآن، كان ميكرون، ولوردات الحرب من الجينومات، وبقايا الجيش ما قبل القصف يتقاتلون من أجل السيطرة على الأرض القاحلة التي صنعوها بأيديهم. أطلق الناس عليها اسم حروب الجينوم. كانت المعارك أعنف بكثير في شمال إيطاليا، لكن هذا لا يعني أن الجنوب كان آمنًا.
“بيني، توقف عن مناداتي بهذا،” قالت جولي بانفعال. “لقد مضى ثلاث سنوات وأنت هنا. أعتقد أننا نستطيع الحديث بالأسماء.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “لم يكن هذا من فعل إلـه،” ردّت جولي. ثم سمعت صوت رعد مدوٍ، وتساءلت للحظة إن كانت عاصفة تقترب. لكن كانت السماء صافية، بلا غيوم. أمر غريب. “مجرد تجربة خرجت من عقل عبقري… ومختل.”
“وسأظل أناديك ‘سيدتي’ حتى تكبر جوليا وتستلم المسؤولية.”
قد تكون الأوقات هذه الأيام صعبة… لكنهم سيتغلبون عليها.
هزّت الكيميائية الحيوية رأسها، قبل أن تعود إلى حديقتها.
——————————-
مع ما خلّفته القنابل النووية والأوبئة من دمار على الساحل الغربي، كانت جولي تأمل في إدخال هذه الأنواع الجديدة لمحاربة التلوث البيئي. ووفقًا لتقديراتها، لن يستغرق الأمر سوى خمس سنوات لتنقية هواء وتربة إيطاليا إلى مستويات ما قبل الكارثة… وعشر سنوات لمحو آثار التدهور الناتج عن الأنشطة الصناعية البشرية.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “وسأظل أناديك ‘سيدتي’ حتى تكبر جوليا وتستلم المسؤولية.”
ومع الوقت، سيغدو كوكب الأرض بأكمله حديقة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com لم يكن هذا النبات المميز سوى واحد من محاصيل تجريبية عديدة تنمو داخل المزرعة. مثل قمح قادر على النمو في بيئة ملوثة، ذرة تمتص الإشعاع المحيط… كانت قطعة الأرض الخاصة بها تجمّعًا غريبًا وملونًا من التركيبات النباتية الفريدة.
“لن أعتاد على ذلك أبدًا,” قال بيني، وهو يراقبها تستخدم قوتها على القمح. “أنا لست متدينًا، لكن… يجعلني أتساءل إن كان هناك إلـه فعلًا.”
“نعم,” قالت. “في الماضي، كنت لأقول إن إدخال أنواع جديدة في النظام البيئي فكرة كارثية، لكن…”
“لم يكن هذا من فعل إلـه،” ردّت جولي. ثم سمعت صوت رعد مدوٍ، وتساءلت للحظة إن كانت عاصفة تقترب. لكن كانت السماء صافية، بلا غيوم. أمر غريب. “مجرد تجربة خرجت من عقل عبقري… ومختل.”
كانت قدرة جولي الخضراء تتفعّل كلما لمست كائناً حيًا، ما أتاح لها أن تفهم بشكل فطري كيف يعمل جسده، حتى على المستوى الجيني. كانت قادرة على إجراء تعديلات طفيفة على الحمض النووي، وتربية أنواع جديدة من كائن حي واحد فقط.
لم تجد تفسيرًا آخر. فـ الإلـه لن يكون قاسيًا بما يكفي ليخلق وحوشًا مثل ميكرون ويطلقها على العالم.
الفصل 27 : شظية الماضي، جرائم أغسطس.
وفجأة، ضرب البرق المزرعة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com تجاهل… ذلك الشيء تجاهل قدرتها تمامًا. لم يعترف بها، بل لم يسجله حتى ككائنٍ حي.
ومض نور قرمزي ملأ مجال رؤية جولي، كما لو أن صاعقة نزلت على الأرض أمامها مباشرة. سمعت دويًا قويًا قادمًا من جهة المدخل، واهتزت المزرعة كلها تحت قدميها.
3: طوبى للودعاء هي آية من الكتاب المقدس المسيحي ‘الإنجيل’ (لن أشرح أكثر).
استدارت، وحين عاد بصرها لطبيعته، كان هناك فجوة مشتعلة في المكان الذي كانت فيه بوابة المزرعة الرئيسية.
“لماذا؟” سألت جولي، تتوسل للحصول إجابة، مصارعةً فقدان الدم واليأس القاتل. “ما… ماذا فعلنا… لك؟”
“برونو!” صرخت جولي في رعب، واندفعت نحو المدخل قبل أن يتمكن بيني من إيقافها. انطلقت صافرات إنذار المزرعة، مُعلنة عن هجوم، فيما انتشر الدخان في كل الاتجاهات.
“بل أنا هو.”
وحين اقتربت بما فيه الكفاية، استقبلها مشهد من الجحيم.
كانت مزرعة عائلة كوستا تضم منزلًا كبيرًا، وأكواخًا، وإسطبلًا، وأراضي زراعية، وعدة حظائر للحيوانات. كان يعيش في هذا المكان ما يقارب العشرين شخصًا، معظمهم من اللاجئين الذين استقبلتهم جولي وزوجها بعد اندلاع حروب الجينومات. وبمرور الوقت، أنشأ المجتمع المحلي أسوارًا خشبية وتحصينات حول المزرعة لردع الهجمات من قطاع الطرق والنهابين.
اخترقت قوة هائلة تحصينات المزرعة بقوة كافية لتحطيمها. تناثرت الجثث على الأرض، وقد تم تمزيقها بوحشية. فبالكاد استطاعت جولي التعرف على دونا بينهم، إذ احترق معظم جسدها. أما بييرو، فقد فقد رأسه بالكامل، ولم تعرفه جولي إلا من قميصه الأزرق المميز، الذي أصبح الآن مصبوغًا بالأحمر.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com تجاهل… ذلك الشيء تجاهل قدرتها تمامًا. لم يعترف بها، بل لم يسجله حتى ككائنٍ حي.
وبرونو… كان بينهم.
كلا نصفَيه.
كانت قدرة جولي الخضراء تتفعّل كلما لمست كائناً حيًا، ما أتاح لها أن تفهم بشكل فطري كيف يعمل جسده، حتى على المستوى الجيني. كانت قادرة على إجراء تعديلات طفيفة على الحمض النووي، وتربية أنواع جديدة من كائن حي واحد فقط.
أطلقت صاعقة هائجة زوجها عبر البوابة، ممزقةً إياه نصفين من الخصر.
وفي الواقع، كانت إحدى تلك الهجمات هي سبب تعارف جولي على ليونارد. إذ قام كرنفاله بقتل زعيم عصابة جينوم كان يرهب الإقليم، ثم بقوا هناك للتأكد من أن المجتمعات المحلية قادرة على إعالة نفسها.
أطلقت جولي صرخة رعب مروّعة، فيما غرقت المزرعة في فوضى عارمة. اندفع الحراس نحو الفجوة بأسلحتهم، في حين هرع المدنيون نحو المنزل. انطلق برقٌ قرمزي من الدخان، ينقسم ويلتف حول الزوايا. قتلت الصواعق كل من اعترض طريقها، إما بحرق القلب أو تفجير الرأس، قبل أن تنتقل إلى الضحية التالية.
كل من وجده، قتلَه بصواعق البرق. رجالًا ونساءً على حد سواء. فقد تعلّم هذا الدرس من أيامه مع الكامورا: لا تترك أحدًا حيًا كي لا يسعى للثأر من دمك.
شاهدت جولي ثمانية أشخاص تعرفهم منذ سنوات يموتون في لحظة.
فالحياة يجب أن تُكتسب، لا أن تُمنح.
ثم ضربت صاعقة أقوى المنزل الرئيسي، محطمةً الجدران ومشعلة النار في المبنى كله. “علينا الإخلاء، سيدتي!” صاح بيني وهو يمسك بذراعها.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “اركعي”، أمر.
“جوليا،” صرخت جولي بجنون. “جوليا في الحظيرة!”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “المحاصيل؟” نظر أغسطس إلى حديقتها، رافعًا حاجبه. “ما بها؟”
خرج تمثال عاجي من بين الظلام والدخان، يسير بخطى واثقة إلى داخل المزرعة. كانت عيناه تتوهجان بنور قرمزي، ونظراته تطلق صواعق برق على كل من تقع عليهما.
كان ذلك مريبًا. تبادلت جولي نظرة قلق مع زوجها، الذي بدا عليه الشك بوضوح. “كم عدد الأشخاص المستيقظين؟” سأل برونو بيني.
ولوهلة، ظنت جولي أنه زيوس نفسه، نزل من السماء. فهذا الرجل، هذا الجينوم، كان يشبه الإلـه القديم (أستغفر الله) بشكل مخيف. كان رجلاً طويلًا، مفتول العضلات، يقترب طوله من مترين، بلحية طويلة وتاج من الغار الذهبي يزين شعره المسرّح. بدا في منتصف عمره، يجمع بين هيبة الكبار وقوة الرجل الناضج.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com لكن بدلًا من ذلك، اصطدمت الرصاصات بصدره وتسَطّحت عند الارتطام.
كان جسد الدخيل بأكمله تمثالًا من العاج. شعره، بشرته، حتى عينيه كانت بلون أبيض غير طبيعي. وحده ثوبه العتيق، والصنادل، وإكليل الغار الذي يعتمر رأسه كانت مصنوعة من مواد عادية.
“آه! ربما في يوم من الأيام، عندما تعود السكينة، سأبني لنفسي منزلًا قريبًا.” رغم أنها لم تستطع رؤية وجهه من خلال اللهيب، كانت جولي مقتنعة بأن ليونارد كان يبتسم من أذن إلى أذن. “فكامبانيا إقليمٌ جميلٌ بحق.”
ربما تحول جسده إلى سبيكة غريبة؛ أو ربما كان تأثير تجميد، حبسه في الزمان والمكان. أياً يكن الأمر، فقد أبقى يديه متشابكتين خلف ظهره، كفاتحٍ يتأمل أراضيه الجديدة.
“معي؟”
ثم لمح جولي. تحرك بيني فورًا ووقف أمامها، يحجبها بجسده بينما رفع سلاحه. “خلفي يا سيدتي!”.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com وعلى عكس العديد من الجينومات، فإن زعيم الكرنفال كان دائمًا يستخدم اسمه الحقيقي، مؤمنًا بأن ذلك يجعله مسؤولًا وأكثر جدارة بالثقة. لكن ذلك لم يمنع الناس من منحه لقبًا يليق بقوته الهائلة:
تأمل الرجل العاجي الاثنين بنظرة تملؤها التسلية. ذكرَت جولي بنظرة نسر إلى جملٍ يحتضر؛ أو بقاتلٍ يلهو بضحيته قبل أن يجهز عليها.
كان ذلك مريبًا. تبادلت جولي نظرة قلق مع زوجها، الذي بدا عليه الشك بوضوح. “كم عدد الأشخاص المستيقظين؟” سأل برونو بيني.
“سيدة كوستا؟” سأل حين لمح جولي. صوته كان عميقًا ومفعمًا بالهيبة.
“جوليا،” صرخت جولي بجنون. “جوليا في الحظيرة!”
“من أنت بحق الجحيم؟” زمجر بيني غاضبًا.
تحكم في البرق، ونوع من القوة الفائقة. قوتان في آنٍ واحد.
“جوبيتر أغسطس”، أجاب الرجل. ‘2’
“هل أُبيدوا؟” عبس برونو. “بمعنى—”
“أتجرؤ على تسمية نفسك باسم إلـه؟!” صرخ بيني واندفع نحو الجينوم ببندقيته، مطلقًا النار من مسافة قريبة جدًا. وابل من الرصاص كان سيمزق أي إنسان عادي إربًا.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com وعلى عكس العديد من الجينومات، فإن زعيم الكرنفال كان دائمًا يستخدم اسمه الحقيقي، مؤمنًا بأن ذلك يجعله مسؤولًا وأكثر جدارة بالثقة. لكن ذلك لم يمنع الناس من منحه لقبًا يليق بقوته الهائلة:
لكن بدلًا من ذلك، اصطدمت الرصاصات بصدره وتسَطّحت عند الارتطام.
اخترقت قوة هائلة تحصينات المزرعة بقوة كافية لتحطيمها. تناثرت الجثث على الأرض، وقد تم تمزيقها بوحشية. فبالكاد استطاعت جولي التعرف على دونا بينهم، إذ احترق معظم جسدها. أما بييرو، فقد فقد رأسه بالكامل، ولم تعرفه جولي إلا من قميصه الأزرق المميز، الذي أصبح الآن مصبوغًا بالأحمر.
“لا. بالطبع لا.”
كانت جولي تشتبه أن هذا كان هدف الخيميائي منذ البداية. أن يُنشئ عرقًا جديدًا من البشر الخارقين القادرين على التكاثر؛ نوعًا سيحل محل الإنسان العاقل، إلى أن يختفي البشر القدماء مثل النياندرتال. ‘1’
ضرب الرجل العاجي بيني بظهر يده اليسرى. دخلت أصابعه جسد بيني كما يدخل سيف حديدي ورقة، فتحولت عظامه ولحمه إلى شيء هش كالغبار عند اللمس. قطعت الضربة رأسه عن جسده، وأرسلت كليهما يتطايران إلى الجانب، وقتلته من ضربة واحدة.
“نعم، سمع عن قوتك وهو متشوق لرؤيتها بنفسه. على ما يبدو، هو يبحث في القوى الخارقة، وفضولي ليرى إن كنت فعلًا تستطيع قطع أي شيء.”
“بل أنا هو.”
——————————-
تجمدت جولي من هول المشهد الدموي.
“مرحبًا، ليونارد،” رفعت جولي رأسها إلى الرجل الطائر على ارتفاع أربعة أمتار فوقها، وهو ما كان عبارةً عن شكل بشري مكوَّن من لهبٍ ونورٍ ساطع. “يمكنني قول الشيء نفسه عنك.”
كانت عالمة الكيمياء الحيوية قد اعتادت إلى حدٍ ما على مشاهد الدم والعنف، لكنها لم تشهد يومًا هذا القدر من الوحشية الباردة. ذلك الرجل قتل صديقها كما لو كان يطرد ذبابة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com لكنها لم تهدأ أبدًا.
والآن، أصبح ذلك المختل يحدّق بها.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “هذا هو المهم، فهو يقول إنه سيقدم الهدايا فقط ثم يرحل,” أجاب بيني. “لكنه يريد التحدث معك شخصيًا، برونو.”
تحكم في البرق، ونوع من القوة الفائقة. قوتان في آنٍ واحد.
تأملها أغسطس مليًا، متعرفًا على ملامح وجهها التي رآها من قبل في ضحاياه السابقين. لقد حذره ميركوري من أن عائلة كوستا لديها ابنة، لكن لورد الحرب لم يتوقع أن تكون بهذا الصغر.
مختل عقليًا.
“لدينا زائر. مسافر وحيد يطلب الضيافة.”
لا. ليس مختلًا عقليًا. رغم غروره الفجّ، لم ترَ جولي أي أثر للجنون في عينيه القاسيتين. لا رغبة في دماء جينوماتٍ آخرين. لم ترَ سوى غطرسةٍ ساخرة، وازدراءً دمويًا للحياة البشرية.
صندوق العجائب ذاك… لم تفهم جولي بعد لماذا تم اختيار عائلتها لتستلمه. لماذا حصل زوجان يعيشان في وسط اللاشيء على إكسير؟ ولماذا قام ذلك الخيميائي المجنون بتوزيع شيء بهذه الخطورة أصلًا؟.
“اركعي”، أمر.
ولوهلة، ظنت جولي أنه زيوس نفسه، نزل من السماء. فهذا الرجل، هذا الجينوم، كان يشبه الإلـه القديم (أستغفر الله) بشكل مخيف. كان رجلاً طويلًا، مفتول العضلات، يقترب طوله من مترين، بلحية طويلة وتاج من الغار الذهبي يزين شعره المسرّح. بدا في منتصف عمره، يجمع بين هيبة الكبار وقوة الرجل الناضج.
لكن جولي، مدفوعة بالغضب والانتقام، اندفعت نحوه وصفعته بيدها اليسرى على خده بدلًا من ذلك. لم يتحرك لردعها، مما أتاح لها تفعيل قدرتها.
“هي…” وفجأة تذكرت جولي جوليا، النائمة. إن شغلت الوحش، فلربما… لربما سيمكنها النجاة. “يمكنها أن تعيش في… بيئات سامة ومشعة… يمكنها أن… تُطعم الجميع… تساعدنا على إنقاذ… إنقاذ الجميع… أنتَ…”
ورغم أنها لم تستخدم قوتها بشكل هجومي من قبل، فقد قررت أن تُخصّ هذا الوحش باستثناء. كانت ستُحطّم حمضه النووي، تدمر أعضاؤه. وتجعله يدفع الثمن.
مجتمعًا، على أمل، أن يساهم في شفاء العالم.
لكن لا شيء.
أنجبت جولي وبرونو ابنتهما بعد فترة قصيرة من تناولهما للإكسير. لم تظهر على طفلتهما قوى بعد، لكنها أظهرت بالفعل علامات طفرات جينومية ثانوية. مقاومة للأمراض والسموم، أعضاء متصلبة، شفاء متسارع…
لا استجابة.
كما كانت جولي تخشى، كان هناك عدد هائل من الجينومات الخطرة حول العالم. بعضهم كان تهديدًا وجوديًا للبشرية بأسرها، ولم يكن كرنفال ليو قادرًا على التواجد في كل مكان.
تجاهل… ذلك الشيء تجاهل قدرتها تمامًا. لم يعترف بها، بل لم يسجله حتى ككائنٍ حي.
“من أنت بحق الجحيم؟” زمجر بيني غاضبًا.
“لم يكن ذلك طلبًا”، قال الرجل، رافعًا يده في حركة كاراتيه، مستهدفًا كتفها الأيسر.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com وكانت تلك الطيبة هي ما جعلها تقع في حبه منذ البداية. كانت جولي قد انتقلت إلى كامبانيا عام 2002 لتبحث في ارتفاع حالات السرطان في الإقليم لأطروحة الدكتوراه الخاصة بها. وأجرت مقابلة مع برونو كجزء من بحثها، وما بدأ كمشروع أكاديمي، تحول إلى زواج سعيد.
وقبل أن تدرك جولي ما الذي أصابها، اخترقت يده جسدها كالسِّكين في الزبدة، فقطعت الضربة ذراعها وطرحتها على ركبتيها. مزّق ألم لا يوصف أعصابها، بينما اندفع سيل من الدماء من عروقها. فأطلقت صرخة تُمزق القلب، وبدأ جسدها يبرد ويخدر.
كانت الطفلة، وهي فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، تطلّ برأسها من تحت الغطاء، مذعورةً من هذا الرجل الغريب الذي يتحرك داخل غرفتها. كانت عيناها زرقاوين كالمحيط، وشعرها بنّيًا.
“هذا محزن”، قال الوحش، رغم أن صوته خلا من أي ندم. “لو كنتِ تعرفين آداب التصرف، فلربما تركتكِ حيّةً. لا متعة لي في قتل واحدة من المختارين. خصوصًا أرملة شابة.”
ولوهلة، ظنت جولي أنه زيوس نفسه، نزل من السماء. فهذا الرجل، هذا الجينوم، كان يشبه الإلـه القديم (أستغفر الله) بشكل مخيف. كان رجلاً طويلًا، مفتول العضلات، يقترب طوله من مترين، بلحية طويلة وتاج من الغار الذهبي يزين شعره المسرّح. بدا في منتصف عمره، يجمع بين هيبة الكبار وقوة الرجل الناضج.
“لـ… لماذا…” سألت جولي وهي تكافح لمقاومة الألم والصدمة، “هل أردتَ… الاستيلاء على المحاصيل؟”
“كان هناك ثعلبٌ لا يُمكن لأحد إمساكه، فأرسل ملكٌ خلفه كلبًا قدَره أن يمسك بكل طريدة. وعندما رأى جوبيتر هذا التناقض، أخرج الحيوانين من العالم، وحولهما إلى كوكبتين في السماء.”
“المحاصيل؟” نظر أغسطس إلى حديقتها، رافعًا حاجبه. “ما بها؟”
“لدينا زائر. مسافر وحيد يطلب الضيافة.”
إنه… لا يعلم؟ إذًا لماذا؟.
“هذا محزن”، قال الوحش، رغم أن صوته خلا من أي ندم. “لو كنتِ تعرفين آداب التصرف، فلربما تركتكِ حيّةً. لا متعة لي في قتل واحدة من المختارين. خصوصًا أرملة شابة.”
لماذا؟.
“سيدة كوستا؟” سأل حين لمح جولي. صوته كان عميقًا ومفعمًا بالهيبة.
“أجيبيني”، أمر القاتل جولي، دون أن يكلف نفسه حتى النظر إليها. في نظره، كانت ميتة بالفعل.
الآلـهة قاسية… لكن بوسعها أن تُبدي الرحمة أيضًا.
“هي…” وفجأة تذكرت جولي جوليا، النائمة. إن شغلت الوحش، فلربما… لربما سيمكنها النجاة. “يمكنها أن تعيش في… بيئات سامة ومشعة… يمكنها أن… تُطعم الجميع… تساعدنا على إنقاذ… إنقاذ الجميع… أنتَ…”
“لا يمكننا السماح له بالدخول,” قالت جولي لبرونو. “آسفة، لكن…”
“محاصيل تُطعم الجميع؟” نظر إلى الحديقة باهتمام مفاجئ. “طوبى للودعاء، لأنهم سيرثون الأرض.” ‘3’
نارو…
إذا… إن صمدت المحاصيل، ربما…
“آه! ربما في يوم من الأيام، عندما تعود السكينة، سأبني لنفسي منزلًا قريبًا.” رغم أنها لم تستطع رؤية وجهه من خلال اللهيب، كانت جولي مقتنعة بأن ليونارد كان يبتسم من أذن إلى أذن. “فكامبانيا إقليمٌ جميلٌ بحق.”
“لقد كذبوا عليكِ”، قال أغسطس بصوتٍ خافت ساخر، وعيناه تلمعان بالكهرباء، “الودعاء لن يرثوا شيئًا.”
وعندما فكّر بالأمر… تذكّر أن نائبه وصديقه المقرّب مارس قد أخبره مؤخرًا عن مشكلة معيّنة. مسألة يمكن لهذه الطفلة أن تحلها بسهولة. ربما كان هذا علامة من السماء.
وأطلق على الحديقة صاعقة قرمزية، فأشعلتها بالنيران.
كان ذلك مريبًا. تبادلت جولي نظرة قلق مع زوجها، الذي بدا عليه الشك بوضوح. “كم عدد الأشخاص المستيقظين؟” سأل برونو بيني.
القمح، والذرة، وكل المحاصيل المُعَدلة وراثيًا التي أمضت جولي سنوات في زراعتها… كل ذلك العمل تحوّل إلى رماد في لحظة.
ليو الشمس الحية.
بعد فاجعة رؤية زوجها يُحرق حيًا، ظنت جولي أنها لن تصرخ مجددًا. لكنها فعلت. صرخت بيأس، وهي ترى بذرة الأمل ذاتها تحترق أمامها.
استدارت، وحين عاد بصرها لطبيعته، كان هناك فجوة مشتعلة في المكان الذي كانت فيه بوابة المزرعة الرئيسية.
“لقد أتاني المستقبل في هذه الإكسير”، قال الرجل العاجي، غارقًا في أفكاره. “حين لم يتحمل غير المختارين القوة، كنت الوحيد الذي استخدمها بكامل إمكاناتها. وكان ذلك برهانًا على تقدير القدر لعائلتي؛ أننا مُقدرون لحكم الأرض والبشرية الجديدة، بعد أن تُنقّي هذه المحنة غير المستحقين.”
اخترقت قوة هائلة تحصينات المزرعة بقوة كافية لتحطيمها. تناثرت الجثث على الأرض، وقد تم تمزيقها بوحشية. فبالكاد استطاعت جولي التعرف على دونا بينهم، إذ احترق معظم جسدها. أما بييرو، فقد فقد رأسه بالكامل، ولم تعرفه جولي إلا من قميصه الأزرق المميز، الذي أصبح الآن مصبوغًا بالأحمر.
وأخيرًا، تكرم بالنظر إلى جولي، وجسده الشاهق يُلقي ظلًّا مروعًا فوقها.
ورغم أنها لم تستخدم قوتها بشكل هجومي من قبل، فقد قررت أن تُخصّ هذا الوحش باستثناء. كانت ستُحطّم حمضه النووي، تدمر أعضاؤه. وتجعله يدفع الثمن.
“إن سألتِني”، قال أغسطس بنبرة ناعمة وهادئة، “فهذا الكوكب لم يُقصف بما يكفي بعد.”
كانت مزرعة عائلة كوستا تضم منزلًا كبيرًا، وأكواخًا، وإسطبلًا، وأراضي زراعية، وعدة حظائر للحيوانات. كان يعيش في هذا المكان ما يقارب العشرين شخصًا، معظمهم من اللاجئين الذين استقبلتهم جولي وزوجها بعد اندلاع حروب الجينومات. وبمرور الوقت، أنشأ المجتمع المحلي أسوارًا خشبية وتحصينات حول المزرعة لردع الهجمات من قطاع الطرق والنهابين.
“لماذا؟” سألت جولي، تتوسل للحصول إجابة، مصارعةً فقدان الدم واليأس القاتل. “ما… ماذا فعلنا… لك؟”
إنه… لا يعلم؟ إذًا لماذا؟.
ابتسم الرجل العاجي لنفسه، وكأنه وجد في السؤال شيئًا مضحكًا. لكنه أجابها.
“آه! ربما في يوم من الأيام، عندما تعود السكينة، سأبني لنفسي منزلًا قريبًا.” رغم أنها لم تستطع رؤية وجهه من خلال اللهيب، كانت جولي مقتنعة بأن ليونارد كان يبتسم من أذن إلى أذن. “فكامبانيا إقليمٌ جميلٌ بحق.”
“كان هناك ثعلبٌ لا يُمكن لأحد إمساكه، فأرسل ملكٌ خلفه كلبًا قدَره أن يمسك بكل طريدة. وعندما رأى جوبيتر هذا التناقض، أخرج الحيوانين من العالم، وحولهما إلى كوكبتين في السماء.”
وبرونو… كان بينهم.
“ما الذي تقصده—”
“أنتِ تذكرينني بابنتي،” اعترف أغسطس، فيما كانت دموع الفتاة الصغيرة تتساقط على وجنتيها. “لها نفس عينيكِ.”
“هذا هو السبب”، أجاب أغسطس، مُلقيًا نظرة رضا على زوجها الميت. “فقط كنتُ أنا، أُزيل التناقض من هذا العالم. فالقوة القاهرة لا يمكن أن تتعايش مع الشيء الثابت”
حمل أغسطس الطفلة الباكية برفق وصعد بها الدرجات، ويداه لا تزالان مضرّجتين بدماء والدتها.
رجل لا يُقهر لا يمكنه الصمود أمام نصلٍ يقطع كل شيء.
كما كانت جولي تخشى، كان هناك عدد هائل من الجينومات الخطرة حول العالم. بعضهم كان تهديدًا وجوديًا للبشرية بأسرها، ولم يكن كرنفال ليو قادرًا على التواجد في كل مكان.
قام هذا الوحش القاسي، السفّاح، بقتل زوجها… الرجل الطيب الذي لم يؤذِ إنسانًا قط… فقط لأنه قد يُصبح تهديدًا في المستقبل؟.
إذا… إن صمدت المحاصيل، ربما…
“أتخافُ…” رمقته جولي بنظرة حادة. “أتخافُ الموت لهذه الدرجة؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “لن أقتلكِ.”
توهّجت عينا أغسطس بغضبٍ متغطرس، ورفع يديه فوق رأس جولي، قابضًا قبضتيه. لم يعد وجهه وجه إلـهٍ زائف يسوده السكون، بل أصبح وجه شيطان غاضب، وجحيميّ.
“يمكننا أن نقدم له طعامًا وماءً، لكن لا سقف فوق رأسه,” قال برونو لبيني.
هوى بقبضتيه على رأس جولي كما لو أنه مطرقة من الجحيم… فساد الظلام.
“أراكِ يا صغيرة. وأعلم أنكِ لستِ نائمةً.” كان أغسطس قادرًا على استشعار الكهرباء بكل أشكالها. ورغم أنه لا يستطيع التحكم بالتيارات الضعيفة، إلا أنه يكتشف بسهولة وجود الكائنات الحيّة. فالطاقة المتدفقة في أعصابهم تفضح وجودهم.
——————————-
قد تكون الأوقات هذه الأيام صعبة… لكنهم سيتغلبون عليها.
قضى أغسطس الدقائق التالية يمشّط المزرعة بحثًا عن ناجين. كانت دماء امرأة كوستا تقطر من يديه، ملوِّثة بشرته العاجية باللون الأحمر.
“هناك منظمة جديدة تُحدث ضجة في كالابريا,” قال ليو. “ظننت أن عليكِ أن تعرفي.”
كل من وجده، قتلَه بصواعق البرق. رجالًا ونساءً على حد سواء. فقد تعلّم هذا الدرس من أيامه مع الكامورا: لا تترك أحدًا حيًا كي لا يسعى للثأر من دمك.
وفجأة، ضرب البرق المزرعة.
لا بشر، لا مشاكل.
أطلقت جولي صرخة رعب مروّعة، فيما غرقت المزرعة في فوضى عارمة. اندفع الحراس نحو الفجوة بأسلحتهم، في حين هرع المدنيون نحو المنزل. انطلق برقٌ قرمزي من الدخان، ينقسم ويلتف حول الزوايا. قتلت الصواعق كل من اعترض طريقها، إما بحرق القلب أو تفجير الرأس، قبل أن تنتقل إلى الضحية التالية.
فضلًا عن ذلك، كان قد أنفق ما يكفي من الموارد لبناء سمعة طيبة. لا حاجة لأن يعقّد أحدٌ الرواية بحكايات مزعجة.
“بييرو، دونا، أليس، ولوكا يصوبون أسلحتهم إلى رأسه الجميل،” أجاب الرجل، واضعًا فوهة بندقيته على كتفه. “وأخبرت الآخرين بتجهيز أسلحتهم، احتياطًا.”
لم يكن الجينوم يجد في ذلك متعةً خاصة. كان ببساطة يحمي عائلته من انتقامات مستقبلية. قد يكون أغسطس منيعًا كما يُعتقد، لكن ذويه ليسوا كذلك؛ فحتى لو تناول كلٌّ منهم إكسيرًا، يمكنهم أن يموتوا. وبصفته بطريرك عشيرة الأوغسط، والإمبراطور المستقبلي لإيطاليا، لم يرَ فائدة من المخاطرة.
“أنتِ تذكرينني بابنتي،” اعترف أغسطس، فيما كانت دموع الفتاة الصغيرة تتساقط على وجنتيها. “لها نفس عينيكِ.”
لكنه لم يندم على تلك المجزرة أيضًا. فكرة وجود هذه المجتمع بحد ذاتها كانت تثير اشمئزازه.
إذا… إن صمدت المحاصيل، ربما…
فقد وجدت الجينومات لتحكم البشرية القديمة، لا لتخدمها. كانت نهاية العالم بمثابة اختبار للجنس البشري بأسره، تطهير عظيم يهدف إلى إزالة الفساد، والرخاوة، والإحساس المفرط بالأحقية الذي سمّم أوروبا لزمن طويل. إطعام الجميع سيكون تدليلاً للبشر، ومنعًا لهم من النهوض لملاقاة التحدي.
لم تجد تفسيرًا آخر. فـ الإلـه لن يكون قاسيًا بما يكفي ليخلق وحوشًا مثل ميكرون ويطلقها على العالم.
لقد تم اختيار الجينومات لحكم العالم الجديد، كما كان الآلـهة قديمًا يوجّهون البشرية من جبل أوليمبوس. أما بين العاديين، فلا يُرفَع إلا من أثبت جدارته عبر المهارة والخدمة. وحدهم الأفضل سينالون إكسيرًا ويُصنَعون. أما الباقون فسيعيشون ليخدموا ويقدّموا الجزية.
لم يكن لدى أغسطس أي مشكلة في قتل طفل… فقط، بشرط ألا يكون طفله. وعندما نظرت إليه تلك الطفلة، أحس وكأنه على وشك خنق ابنته. حتى تغطية عينيها بيده لم يهدّئ ضميره.
فالحياة يجب أن تُكتسب، لا أن تُمنح.
والآن، أصبح ذلك المختل يحدّق بها.
مؤسفٌ أن تلك المرأة لم تستطع رؤية هذه الحقيقة البسيطة.
“كان هناك ثعلبٌ لا يُمكن لأحد إمساكه، فأرسل ملكٌ خلفه كلبًا قدَره أن يمسك بكل طريدة. وعندما رأى جوبيتر هذا التناقض، أخرج الحيوانين من العالم، وحولهما إلى كوكبتين في السماء.”
وحين طهّر الأرض من كل حياة، اتجه أغسطس إلى الحظائر، متجاهلًا الأبقار والخراف. لا بد أن المكان كان يفوح برائحة كريهة، لكن لم يعد الجينوم يشمّ شيئًا منذ أن تناول إكسيريه الاثنين. لم يعد يحتاج للتنفس أو الأكل أو الشرب. لم يعد يشعر بأي طَعم أو إحساس ملموس، إلى درجة أن حضن زوجته الحبيبة لم يعد يمنحه أي متعة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com قضيا بضع دقائق في التقبيل حتى تجرأ أحدهم على مقاطعتهما. كان بيني، أحد الحراس. المزارع الوحيد الذي يفوق برونو طولًا، والذي لا يذهب إلى أي مكان دون بندقية الصيد الخاصة به. “آسف،يا رئيس,” اعتذر. “لكن مضطر أوقفك قبل ما تتجاوز المرحلة الثانية.”
بل وحتى شعره ولحيته لم يتحركا منذ ذلك اليوم.
“لن أعتاد على ذلك أبدًا,” قال بيني، وهو يراقبها تستخدم قوتها على القمح. “أنا لست متدينًا، لكن… يجعلني أتساءل إن كان هناك إلـه فعلًا.”
كانت تلك هي كلفة المناعة. لقد حمته حتى من الإكسير الثالث، فمنعته من تناوله. لكن تقبّل أغسطس ذلك. فقد ابتسمت له السماء بما يكفي، وهي تكره الجشع.
“إذًا لقد حان الوقت، أليس كذلك؟” قال برونو، وقد بدا عليه الحزن بوضوح، “لم يمضِ سوى شهرين، لكنني أشعر أنكم أصبحتم جزءًا من هذا المكان”.
فذات يوم، بنى شعب إيطاليا أعظم إمبراطورية عرفها كوكب الأرض؛ وكان قدَر أغسطس أن ينهض بهم من جديد نحو المجد. بفضل قدرته، عثر الجينوم على بابٍ سريٍّ خلفي، فنزعه بيديه العاريتين. وبينما فعل، لاحظ قطعةً صغيرة من دماغ امرأة كوستا عالقةً على جلده المقاوم. مسحها بلا مبالاة، رغم أن إزالة الدم ستتطلب تنظيفًا مخصصًا.
وهكذا، انطلق ليونارد هارغريفز في السماء، محلقًا عبر الليل بسرعة طائرة مقاتلة.
نزل درجًا خشبيًا، ودخل قبوًا تحت الحظيرة. كان معظم الطابق يتكوّن من غرف نوم، لإيواء الأفراد الضعفاء من المجتمع بعيدًا عن الأنظار. خيار ذكي في مثل هذه الأوقات العصيبة. تجاهل أغسطس الغرف الفارغة، وتوقف أمام الوحيدة المأهولة.
“آه! ربما في يوم من الأيام، عندما تعود السكينة، سأبني لنفسي منزلًا قريبًا.” رغم أنها لم تستطع رؤية وجهه من خلال اللهيب، كانت جولي مقتنعة بأن ليونارد كان يبتسم من أذن إلى أذن. “فكامبانيا إقليمٌ جميلٌ بحق.”
المكان الذي يختبئ فيه آخر الناجين.
كما كانت جولي تخشى، كان هناك عدد هائل من الجينومات الخطرة حول العالم. بعضهم كان تهديدًا وجوديًا للبشرية بأسرها، ولم يكن كرنفال ليو قادرًا على التواجد في كل مكان.
ببطء، فتح لورد الحرب الباب ودخل غرفة نوم صغيرة للأطفال. لم يكن هناك ضوء، لذا فعّل أغسطس المصباح بضربة برق، فانكشفت الغرفة تحت النور؛ كانت جدرانها مطلية بالأزرق، وهيئة صغيرة كانت تتقوقع تحت الغطاء.
لم تنطق الفتاة بكلمة، مرتعبةً إلى درجة أن صوتها قد تلاشى. لكن بينما كان أغسطس يفحص التيارات الغريبة التي تسري في جسدها، والتي بدت مختلفةً عن أي بشري عادي، أدرك أنها جينوم — مختارة من الجيل الثاني.
“أراكِ يا صغيرة. وأعلم أنكِ لستِ نائمةً.” كان أغسطس قادرًا على استشعار الكهرباء بكل أشكالها. ورغم أنه لا يستطيع التحكم بالتيارات الضعيفة، إلا أنه يكتشف بسهولة وجود الكائنات الحيّة. فالطاقة المتدفقة في أعصابهم تفضح وجودهم.
حين تدفقت هالة خضراء عبر النبات، بدأ يُنتج محاصيل بنفسجية، مليئة بالعناصر الغذائية. كانت قد أمضت أسابيع في ضبط النسبة الدقيقة للبروتين، وتحسين مقاومة النبات للبرد، وزيادة قدرته على إزالة الملوثات من التربة.
كانت الطفلة، وهي فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، تطلّ برأسها من تحت الغطاء، مذعورةً من هذا الرجل الغريب الذي يتحرك داخل غرفتها. كانت عيناها زرقاوين كالمحيط، وشعرها بنّيًا.
“جوبيتر أغسطس”، أجاب الرجل. ‘2’
تأملها أغسطس مليًا، متعرفًا على ملامح وجهها التي رآها من قبل في ضحاياه السابقين. لقد حذره ميركوري من أن عائلة كوستا لديها ابنة، لكن لورد الحرب لم يتوقع أن تكون بهذا الصغر.
لماذا؟.
“هشش…” قال أغسطس وهو يجلس على السرير. “هل كان لوالديكِ قوى خارقة، عندما أنجباكِ؟”
أنجبت جولي وبرونو ابنتهما بعد فترة قصيرة من تناولهما للإكسير. لم تظهر على طفلتهما قوى بعد، لكنها أظهرت بالفعل علامات طفرات جينومية ثانوية. مقاومة للأمراض والسموم، أعضاء متصلبة، شفاء متسارع…
لم تنطق الفتاة بكلمة، مرتعبةً إلى درجة أن صوتها قد تلاشى. لكن بينما كان أغسطس يفحص التيارات الغريبة التي تسري في جسدها، والتي بدت مختلفةً عن أي بشري عادي، أدرك أنها جينوم — مختارة من الجيل الثاني.
فالحياة يجب أن تُكتسب، لا أن تُمنح.
“إن كان هناك احتمال، ولو ضئيل، أنكِ ورثتِ قوة والدكِ،” قال وهو يربّت على شعرها بلطف، “فلا يمكنني أن أسمح لكِ بالنجاة.”
“بييرو، دونا، أليس، ولوكا يصوبون أسلحتهم إلى رأسه الجميل،” أجاب الرجل، واضعًا فوهة بندقيته على كتفه. “وأخبرت الآخرين بتجهيز أسلحتهم، احتياطًا.”
بدأت الطفلة في البكاء، فوضع الجينوم يده على فمها ليسكتها. سيكون الأمر سريعًا. سيقضي عليها بالبرق، أو يكسر عنقها. موت فوري، رحيم. فإن بقيت على قيد الحياة، فستحاول حتمًا أن تؤدي واجبها وتثأر لوالديها.
3: طوبى للودعاء هي آية من الكتاب المقدس المسيحي ‘الإنجيل’ (لن أشرح أكثر).
فالأفضل أن تُقتل الآن، قبل أن تصبح مشكلة.
رجل لا يُقهر لا يمكنه الصمود أمام نصلٍ يقطع كل شيء.
ومع ذلك، بينما كان ينظر إلى عينيها الزرقاوين، لم يستطع رجل العصابات إلا أن يشعر بلمحةٍ من الخزي. شعورٌ غريب، لا يليق بمثله، ومع ذلك لم يستطع طرده.
“أتخافُ…” رمقته جولي بنظرة حادة. “أتخافُ الموت لهذه الدرجة؟”
“أنتِ تذكرينني بابنتي،” اعترف أغسطس، فيما كانت دموع الفتاة الصغيرة تتساقط على وجنتيها. “لها نفس عينيكِ.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com قضى أغسطس الدقائق التالية يمشّط المزرعة بحثًا عن ناجين. كانت دماء امرأة كوستا تقطر من يديه، ملوِّثة بشرته العاجية باللون الأحمر.
لم يكن لدى أغسطس أي مشكلة في قتل طفل… فقط، بشرط ألا يكون طفله. وعندما نظرت إليه تلك الطفلة، أحس وكأنه على وشك خنق ابنته. حتى تغطية عينيها بيده لم يهدّئ ضميره.
“هي…” وفجأة تذكرت جولي جوليا، النائمة. إن شغلت الوحش، فلربما… لربما سيمكنها النجاة. “يمكنها أن تعيش في… بيئات سامة ومشعة… يمكنها أن… تُطعم الجميع… تساعدنا على إنقاذ… إنقاذ الجميع… أنتَ…”
وعندما فكّر بالأمر… تذكّر أن نائبه وصديقه المقرّب مارس قد أخبره مؤخرًا عن مشكلة معيّنة. مسألة يمكن لهذه الطفلة أن تحلها بسهولة. ربما كان هذا علامة من السماء.
“هل ستقاتل هؤلاء؟” سألته جولي بقلق. فكالابريا ليست بعيدة جدًا عن كامبانيا.
الآلـهة قاسية… لكن بوسعها أن تُبدي الرحمة أيضًا.
ثم حدثت كارثة عيد الفصح الأخير.
“لن أقتلكِ.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com لكنه لم يندم على تلك المجزرة أيضًا. فكرة وجود هذه المجتمع بحد ذاتها كانت تثير اشمئزازه.
حمل أغسطس الطفلة الباكية برفق وصعد بها الدرجات، ويداه لا تزالان مضرّجتين بدماء والدتها.
كان جسد الدخيل بأكمله تمثالًا من العاج. شعره، بشرته، حتى عينيه كانت بلون أبيض غير طبيعي. وحده ثوبه العتيق، والصنادل، وإكليل الغار الذي يعتمر رأسه كانت مصنوعة من مواد عادية.
“فكّرتُ في شيءٍ أفضل.”
اخترقت قوة هائلة تحصينات المزرعة بقوة كافية لتحطيمها. تناثرت الجثث على الأرض، وقد تم تمزيقها بوحشية. فبالكاد استطاعت جولي التعرف على دونا بينهم، إذ احترق معظم جسدها. أما بييرو، فقد فقد رأسه بالكامل، ولم تعرفه جولي إلا من قميصه الأزرق المميز، الذي أصبح الآن مصبوغًا بالأحمر.
***
“سيدة كوستا؟” سأل حين لمح جولي. صوته كان عميقًا ومفعمًا بالهيبة.
1: النياندرتال أو الإنسان البدائي هو أحد أنواع جنس هومو الذي استوطن أوروبا وأجزاء من غرب آسيا وآسيا الوسطى
وفي الواقع، كانت إحدى تلك الهجمات هي سبب تعارف جولي على ليونارد. إذ قام كرنفاله بقتل زعيم عصابة جينوم كان يرهب الإقليم، ثم بقوا هناك للتأكد من أن المجتمعات المحلية قادرة على إعالة نفسها.
2: جوبيتر هو كبير الآلـهة (والعياذ بالله) في الميثولوجيا الرومانية.
“لا تمزح في هذا،” وبّخته جولي بلطف، لكنه لوّح بيده متجاهلًا، ثم سار نحو بوابات المعسكر الرئيسية.
3: طوبى للودعاء هي آية من الكتاب المقدس المسيحي ‘الإنجيل’ (لن أشرح أكثر).
رجل لا يُقهر لا يمكنه الصمود أمام نصلٍ يقطع كل شيء.
نارو…
“أتجرؤ على تسمية نفسك باسم إلـه؟!” صرخ بيني واندفع نحو الجينوم ببندقيته، مطلقًا النار من مسافة قريبة جدًا. وابل من الرصاص كان سيمزق أي إنسان عادي إربًا.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com المكان الذي يختبئ فيه آخر الناجين.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
