ثمن التذكّر
ثمن التذكّر
كان الوقتُ مساءَ اليومِ التالي حين نزلَ 'المؤرّخ' الدرجَ المؤدي إلى قاعة الزبائن في نُزل وايستون. كان شاحبًا ومترنّحًا، يحمل حقيبته الجلدية المسطّحة تحت ذراعه. وكان كوت جالسًا خلف البار، يتصفّح كتابًا. و حين لمحه قال: "آه، ضيفُنا غير المقصود. كيف حال رأسك؟"
رفع 'المؤرّخ' يده ليلمس مؤخرة رأسه: "يخفق ألمًا حين أتحرك بسرعة… لكنّه ما يزال يعمل، أنا بخير."
قال كوت: "سعيدٌ لسماع ذلك."
تردّد 'المؤرّخ' قليلًا وهو يُلقي نظرةً حوله. "هل… نحن في نُوآر؟"
أومأ كوت: "أجل، أنتَ في الحقيقة في قلب نُوآر." ثم أشار بإيماءةٍ واسعة و دراميّةٍ بيده "مدينةٌ مزدهرة… يسكنها العشرات من السكان."
حدّق 'المؤرّخ' بالرجل ذي الشعر الأحمر خلف البار. وأسند نفسه إلى إحدى الطاولات ليوازن نفسه. ثم تمتم لاهثًا: "يا إلهي!… إنّه حقًا أنت، أليس كذلك؟"
ارتبك صاحب النُزل: "عذرًا؟"
قال 'المؤرّخ': "أعلمُ أنك ستنكر… لكن ما رأيتُه الليلة الماضية…"
رفع صاحب النُزل يده مقاطعًا إياه: "قبل أن نناقش احتمال أن تكون ضربة الرأس قد أذهبت بعقلك، أخبرني، كيف هو الطريق إلى تِينُوِه (Tinuë)؟"
قال 'المؤرّخ' بانزعاج: "ماذا؟! لم أكن متوجهًا إلى تِينُوِه. كنتُ… أوه. حسنًا، حتى بعيدًا عن ما حدث البارحة، الطريق كان شاقًا وقاسيا نوعًا ما. تعرّضتُ للسرقة قرب 'آبوتس فورد'، وسرتُ على قدميّ منذ ذلك الحين. لكن الأمر كلّه كان يستحق العناء، بما أنّك موجود هنا فعلًا." ثم رمق السيف المُعلّق فوق البار، وتنهد بعمق، وبدأ القلق يتسلّل إلى ملامحه. "أنا لم آتِ لإثارة المتاعب، صدّقني. ولا لأجل المكافأة الموضوعة على رأسك." ثم ابتسم ابتسامةً ضعيفة: "وليس بوسعي مضايقتك و إزعاجك حتى لو أردت-"
"حسنا" قاطعه صاحب النُزل بينما كان يُخرج قطعة قماشٍ من الكتان الأبيض وبدأ يلمّع بها سطح البار، "ومَن تكون إذن؟"
قال الرجل: "بإمكانك أن تناديني ''المؤرّخ''."
رفع كوت حاجبه وقال: "لم أسألك عمّا يمكنني أن أُسميك به، بل ما اسمك؟"
قال الرجل: "ديفن. دِيڤَنْ لوشيس (Devan Lochees)."
توقّف كوت عن تلميع البار ورفع رأسه ينظر إليه: "لوشيس؟ هل لك صلة بالدّوق...؟" ثم توقّف عن الحديث وأومأ برأسه كما لو كان قد توصّل إلى نتيجة. "نعم، بالطبع أنت كذلك. لست مجرد مؤرّخ، بل 'المؤرّخ' [1] ذاته." ثم نظر إلى الرجل الأصلع نظرة متفحصة من رأسه حتى أخمص قدميه. "يا للعجب، المفسِّر العظيم بنفسه."
تنفّس 'المؤرّخ' الصعداء، وبدت عليه علامات الارتياح لأنه سبقته سُمعته. وقال: "لم أكن أحاول التملّص قبل قليل. لقد هجرت اسم ديڤن منذ زمن، لم أعد أفكّر في نفسي به. تركتُ ذلك الاسم خلفي منذ سنوات." ثم نظر إلى كوت نظرة ذات مغزى وأضاف: "وأظنّ أنك تعرف هذا النوع من التغيير، أليس كذلك...؟"
لكن كوت تجاهل السؤال الضمني. وقال: "قرأتُ كتابك قبل سنوات. عادات التزاوج لدى دراكوس (Draccus) الشائع. كان كتابًا كاشفًا و منيرا بالنسبة لفتى غارق في الروايات والقصص الخرافية."[2]
ثم أطرق برأسه وعاد يمرّر القماش على سطح البار بمحاذاة عروق الخشب. "أعترف أنّي شعرتُ بخيبة أمل حين عرفتُ أن التنانين لا وجود لها. كانت تلك صدمة صعبة لطفل أن يتخطاها."
ابتسم 'المؤرّخ' وقال: "بصراحة، حتى أنا خاب ظني. كنتُ أبحث عن أسطورة، فوجدتُ سحلية. سحلية رائعة، نعم، لكنها سحلية في نهاية المطاف."
فقال كوت: "وها أنت هنا الآن... أتيتَ لتُثبت أنّي مجرد خرافة أخرى؟"
ضحك 'المؤرّخ' بتوتر: "لا، في الحقيقة… لقد سمعنا إشاعة —"
قاطعه كوت: " 'نحن' ؟"
"كنتُ أُسافر مع صديقٍ قديمٍ لك…سكارپي (Skarpi)."
تمتم كوت لنفسه: "أخذك تحت جناحه، أليس كذلك؟ يا للعجب…أنت تلميذ سكاربي."
هز 'المؤرّخ' رأسه: "بل زميله، إن صحّ التعبير."
أومأ كوت برأسه دون أن تتغير ملامحه: "كان عليّ أن أتوقع أنه سيكون أول من يجدني. أنتما معًا عشّاق إشاعات و مطارديها."
تلاشت ابتسامة 'المؤرّخ' وأصبحت أكثر مرارة، وابتلع الكلمات الأولى التي همّ بها. حاول لبرهة أن يستعيد هدوءه واتّزانه.
قال كوت وهو يضع قطعة القماش البيضاء جانبًا ويُظهر أفضل ابتسامة لصاحب نُزل: "فما الذي يمكنني فعله من أجلك؟ طعام؟ شراب؟ غرفة للمبيت الليلة؟"
تردّد 'المؤرّخ' قليلاً.
فأشار كوت بإيماءة واسعة خلف البار: "كل شيء موجود هنا. نبيذ عتيق ناعم وشاحب؟ شراب الميد بالعسل؟ الجعة الداكنة؟ مشروبات الفواكه الحلوة! برقوق؟ كرز؟ تفاح أخضر؟ توت أسوَد؟" وأخذ يُشير إلى الزجاجات واحدة تلو الأخرى. "هيا، لا بد أنك ترغب بشيء؟" وأثناء حديثه، اتّسعت ابتسامته لتكشف عن عددٍ من الأسنان أكثر مما يجب، ابتسامة لا تليق بوجه نادل ودود. وفي الوقت نفسه، كان في نظرته برودة، وصارتت عيناه قاسيتين، تُظهران غضبه.
خفض 'المؤرّخ' نظره وقال: "كنت أظنّ أن —"
قاطعَه كوت بازدراء: "كنتَ تظن؟ أشكّ في ذلك. ولو كنتَ قد فكّرت فعلًا" شدّد على الكلمة، "لفكّرت في حجم الخطر الذي قد وضعتني فيه بمجيئك إلى هنا."
احمرّ وجه 'المؤرّخ' وقال بانفعال: "سمعتُ أن 'كڤوث' لا يعرف الخوف!"
رفع صاحب النُزل كتفيه وقال: "فقط الكهنة والحمقى من لا يعرفون الخوف، ولم أكن يومًا على علاقة طيبة مع السامي."
قطّب 'المؤرّخ' جبينه، مدركًا أنه يُستدرج عمدًا. ثم قال بنبرة هادئة: "اسمع، لقد كنتُ شديد الحذر. لم يعلم بقدومي أحد… سوى سكاربي، لم أذكر أمرك لأحد. ولم أتوقّع حقاً أن أجدك هنا."
قال كوت بسخرية: "تخيّل مدى ارتياحي."
تحدّث 'المؤرّخ' بصوت خافت وقد خيّب الأمر أمله و بدا عليه الاحباط: "سأكون أول من يعترف بأن قدومي إلى هنا قد يكون خطأ." توقف قليلاً، مانحًا كوت فرصةً لأن يعارضه، لكنه لم يفعل. تنهد ''المؤرّخ'' تنهيدة قصيرة ومكبوتة وأكمل: "لكن ما حدث قد حدث. ألا تنوي حتى أن تفكّر في..."
هز كوت رأسه قائلاً: "لقد مضى زمن طويل —"
قاطعه 'المؤرّخ' محتجًا: "لم يمضِ حتى عامان."
لكن كوت تابع كلامه دون أن يتوقف: "— ولستُ ما كنتُ عليه أيضا."
قال 'المؤرّخ': "وما الذي كنتَه بالضبط؟"
أجاب ببساطة: "'كڤوث'." رافضًا أن يُسحب إلى مزيدٍ من التفسيرات. "أما الآن فأنا كوت. أعتني بنُزلي. هذا يعني أن الجعة بثلاثة قطع معدنية، والغرفة الخاصة تكلف قطعة نحاسية." وأخذ يُلمّع سطح البار من جديد بحماسة شديدة. "كما قلتَ أنت، 'ما حدث قد حدث'. والقصص ستتولّى أمر نفسها."
"لكن —"
رفع كوت بصره، وللحظةٍ وجيزة رأى ''المؤرّخ'' ما وراء الغضب الذي يلمع في عينيه. لمح الألم الكامن تحته، ألمًا نقيًّا وداميًا، كجرحٍ غائرٍ لا يُرجى له شفاء. ثم صرف كوت بصره، ولم يبقَ سوى الغضب.
قال: "ما الذي يمكنك أن تقدمه لي ويستحق ثمن التذكّر؟"
قال ''المؤرّخ'': "الجميع يظنون أنك ميت."
هز كوت رأسه وقال بنبرة تجمع بين التهكم والضيق: "ألا تفهم؟ هذا هو بيت القصيد. لا أحد يبحث عنك وأنت ميت. الأعداء القدامى لا يحاولون تصفية حساباتهم معك. لا يأتي الناس ليزعجوك و يطلبوا منك الحكايات و التفسيرات." أضاف ذلك بمرارة.
لكن ''المؤرّخ'' لم يتراجع و أكمل: "الآخرون يقولون إنك مجرّد أسطورة."
"أنا أسطورة،" قال كوت بسهولة، وهو يقوم بإيماءة مبالغ فيها. "نوع خاص جدًا من الأساطير التي تخلق نفسها. أفضل الأكاذيب عني هي التي قلتها أنا بنفسي."
"يقولون إنك لم تكن موجودًا أبدًا،" صحح ''المؤرّخ'' بلطف.
هز كوت كتفيه بلا مبالاة، مبتسمًا ابتسامةً خفيفة تلاشت بشكل غير ملحوظ.
شعر ''المؤرّخ'' بضعفٍ ما، فاستمر قائلاً: "بعض القصص تصوّرك كقاتلٍ بيدٍ حمراء."
قال كوت: "أنا كذلك أيضًا." ثم التفت ليُلمع السطح خلف البار. هز كتفيه مجددًا، لكن ليس بنفس السهولة كما من قبل. "قتلت رجالًا وأشياء كانت أكثر من مجرد رجال. كل واحد منهم كان يستحق ذلك."
هز ''المؤرّخ'' رأسه ببطء. "القصص تقول 'قاتل مأجور' و ليس 'بطل'. 'كڤوث' الساحر الغامض و 'كڤوث' قاتل الملك هما شخصان مختلفان تمامًا."
توقف كوت عن تنظيف البار، وأدار ظهره للغرفة. أومأ برأسه مرة واحدة دون أن يرفع عينيه.
قال ''المؤرّخ'' متابعا: "بعضهم يقول حتى إن هناك تشاندريان جديدًا. رعب جديد في الليل. شعره أحمر كدمائه التي يريقها والدم الذي يسفِكه."
قال كوت بصوتٍ مملوء بالإحباط، وكأنه يحاول إقناع نفسه: "الأشخاص المهمون يعرفون الفَرق."
ضحك ''المؤرّخ'' قليلًا. "بالطبع. في الوقت الحالي. لكنك، أنت بالذات، يجب أن تدرك كم هو رقيق الخط الفاصل بين الحقيقة والكذبة المقنعة. بين التاريخ والقصة المسلية." ثم انتظر قليلاً ليتسرب كلامه. "أنت تعرف أيهما سيفوز مع مرور الوقت."
ظل كوت مستمرًا في النظر إلى الجدار الخلفي، يديه مسطحتين على الطاولة. كان رأسه منحنيًا قليلاً، كما لو أن وزنًا ثقيلًا قد استقر عليه. لم يتكلم.
خطا 'المؤرّخ' خطوةً إلى الأمام بحماس، محاولًا اقتناص النصر و الفرصة. "بعض الناس يقولون إنه كانت هناك امرأة —"
قاطعته كوت بصوته الذي كان حادًا كالمِنشار الذي يخترق العظم: "ماذا يعرفون؟" قالها بصوت خافت لدرجة أن ''المؤرّخ'' اضطر إلى حبس أنفاسه ليلتقط الكلمات. "ماذا يعرفون عن ما حدث؟"
قال 'المؤرّخ': "يقولون إنها—" ولكن كلماته علقت في حلقه الجاف فجأة، بينما عمّ الصمت الغريب في الغرفة. وقف كوت مستديرًا بظهره للغرفة، ساكنًا بجسده، وصمت رهيب محشور بين أسنانه. يده اليمنى، الملتوية في قطعة قماش بيضاء نظيفة، تكوّنت في قبضة ببطء.
على بعد بضع بوصات، تحطمت زجاجة. امتلأ الهواء برائحة الفراولة إلى جانب صوت الزجاج المتناثر. كان الصوت صغيرًا في مثل هذا الصمت العظيم، لكنه كان كافيًا. كافيًا لتقسيم الصمت إلى شظايا صغيرة وحادة.
شعر ''المؤرّخ'' بالبرودة فجأة عندما أدرك ما كانت عليه اللعبة الخطيرة التي كان يلعبها. فكر بشكل غريب و حذر، هذه هي الفروقات بين سرد القصة وعيشها، 'الخوف'.
استدار كوت وقال بصوت منخفض: "ماذا يمكن لأيٍ منهم أن يعرف عنها؟"
توقف نفس ''المؤرّخ'' عندما رأى وجه كوت. كان تعبير صاحب النزل الهادئ كالقناع المحطم و المكسور. تحتها، كان وجه كوت ساكنا و مطاردًا، عيناه نصفٌ في هذا العالم، ونصف في مكان آخر، يتذكر.
وجد ''المؤرّخ'' نفسه يفكر في قصة كان قد سمعها. واحدة من الكثير. كانت القصة تروي كيف أن 'كڤوث' ذهب يبحث عن رغبة قلبه. كان عليه أن يخدع شيطانًا ليحصل عليها. ولكن بمجرد أن استقرت في يده، اضطر للقتال مع ملاك ليحتفظ بها. فكّر ''المؤرّخ'' بشكل غريب مع نفسه: ' أ أصدقها؟، من قبل كانت مجرد قصة، لكن الآن أستطيع أن أصدقها. هذا هو وجه رجل قتل ملاكًا '.[3]
"ماذا يمكن لأيٍ منهم أن يعرف عني؟" طلب كوت، والغضب اللامبالي كان واضحا في صوته. "ماذا يمكنهم أن يعرفوا عن كل هذا؟" قام بإشارة قصيرة، عنيفة، بدت كأنها تأخذ في الحسبان كل شيء، الزجاجة المكسورة، البار، والعالم.
ابتلع ''المؤرّخ'' ريقه مقاوما جفاف حلقه وقال: "فقط ما يُقال لهم و ما سمعوه."
تات تات، تات-تات. بدأ السائل من الزجاجة المكسورة في الرنين على الأرض بإيقاع غير منتظم. "آه..." تنهد كوت تنهيدة طويلة. تات-تات، تات-تات، تات، استمر السائل بالتقطر. "ذكي و حكيم، ستستخدم أفضل خدعة لي ضدي. ستحتجز قصتي كرهينة."
قال ''المؤرّخ'': "كنتُ سأروي الحقيقة فقط."
ردّ كوت بابتسامة مريضة ساخرة، لمعت للحظة على وجهه: "لا شيء سوى الحقيقة يمكن أن يحطّمني. ما الذي هو أصعب و أقسى من الحقيقة؟"
ولفترة طويلة، كان الطنين الوحيد الذي يبدد الصمت هو وقع قطرات السائل على الأرض.
وأخيرًا، عبر كوت الباب خلف البار، تاركًا ''المؤرّخ'' واقفًا في الغرفة الفارغة، مترددًا، غير واثق إن كان قد طُرد أم لا.
وبعد بضع دقائق، عاد كوت ومعه دلو ماءٍ صابوني للتنظيف. من دون أن يوجه نظره إلى الراوي، بدأ بتنظيف زجاجاته بلطف، منهجيًا، واحدةً تلو الأخرى، كان يمسح قعر كل زجاجة من نبيذ الفراولة، ويضعها على البار بينه وبين ''المؤرّخ''، كأنها حائطٌ للدفاع.
قال بصوتٍ خالٍ من أي انفعال، من دون أن يرفع عينيه: "إذاً، ذهبتَ تبحث عن أسطورة، ووجدتَ رجلًا. سمعتَ القصص، والآن تريد الحقيقة."
أشرق وجه ''المؤرّخ'' بالارتياح، ووضع حقيبته على إحدى الطاولات، متفاجئًا من الارتجاف الطفيف في يديه. قال: "وصلنا عنك خبر منذ مدة. لم يكن أكثر من همسة شائعة. لم أكن أتوقّع حقًا..."
توقف ''المؤرّخ'' مترددًا فجأة، ثم قال: "ظننتُ أنك ستكون أكبر سنًا."
قال كوت: "بلى، أنا كذلك." بدا الارتباك على وجه ''المؤرّخ''، لكن صاحب النُّزل واصل حديثه قبل أن يعلق: "ما الذي جاء بك إلى هذا الركن التافه من العالم؟"
قال ''المؤرّخ''، وهو ينفخ صدره قليلًا: "لي موعد مع إيرل بَيدن-برايت (Baedn-Bryt). بعد ثلاثة أيام، في 'تْرِيا'."
توقف صاحب النزل عن التلميع في منتصف الحركة وسأله بهدوء: "هل تتوقّع أن تصل إلى قصر الإيرل خلال أربعة أيام؟"
أقرّ ''المؤرّخ'': "أنا متأخّر عن الموعد، سُرق حصاني قرب آبوتس فورد." ثم نظر من النافذة إلى السماء المظلمة. "لكنني مستعد لأضحي ببعض النوم. سأرحل في الصباح، ولن أزعجك أكثر."
قال كوت بسخرية، وقد اشتدّت نظراته وتصلّبت من جديد:
"حسنًا، لا أريد أن أكلّفك قسطًا من النوم. يمكنني أن أروي الأمر كله في نَفَسٍ واحد."
ثم نقّى حنجرته وقال:
" 'سافرتُ، وارتَحلت، وأحببتُ، وخسرت، ووثقتُ، وخُنت'. دوِّنْها، ثم احرقها، فلن تجديك نفعًا."
*ههه أعظم و أفضل اختصار، سجل يا تاريخ*
أجابه ''المؤرّخ'' بسرعة: "لا داعي لأن تأخذ الأمر على هذا النحو. يمكننا أن نقضي الليل كلّه إن أردت، بل وساعاتٍ من الصباح كذلك."
ردّ كوت بحدة: "يا لكرمك! ستمنحني سهرةً واحدة لأروي قصتي؟ من دون وقتٍ لأستجمع شتات نفسي؟ دون وقتٍ لأتهيّأ؟ "
ثم انكمش فمه في خطٍ رفيع. "كلا. اذهبْ وادلُ بدَلوك عند إيرلِك، فلستُ راغبًا في هذا كله."
قال ''المؤرّخ'' بسرعة: "إذا كنتَ متأكدًا أنك تحتاج إلى—"
قاطعه كوت، وهو يضع زجاجةً بقوة فوق البار: "نعم. يمكننا القول بأمان إنني سأحتاج إلى وقتٍ أطول من ذلك. ولن أعطيك منه شيئًا الليلة. القصة الحقيقية تحتاج وقتًا للتحضير."
عبس ''المؤرّخ'' بقلق، ومرر يديه في شعره. ثم قال:
"أستطيع أن أقضي الغد في جمع تفاصيل قصتك..."
لكنه توقف حين رأى كوت يهزّ رأسه بالنفي. ثم استأنف حديثه، كأنه يُحدّث نفسه:
"إن حصلتُ على حصانٍ في بَايدِن، يمكنني أن أُعطيك اليوم كله، ومعظم الليل، و جزءًا من اليوم التالي."
ثم دلّك جبهته وقال: "أكره الركوب ليلًا، لكن—"
قاطعه كوت: "سأحتاج إلى ثلاثة أيام. أنا متأكد تمامًا."
شحب وجه ''المؤرّخ'': "لكن... الإيرل!"
لوّح كوت بيده باستهانة.
قال ''المؤرّخ'' بإصرار: "لا أحد يحتاج إلى ثلاثة أيام."
ثم أضاف بتأكيد: "لقد أجريتُ مقابلة مع أورِن ڤِلسِتِر (Oren Velciter). أورِن ڤِلسِتِر، لا تنسَ. عمره ثمانون عامًا، وعاش ما يكفي ليعادل مئتي عام. خمسمئة إن حسبتَ الأكاذيب. هو من بحث عني،"
ثم أضاف بتشديد على كلماته: "ولم يحتجّ لأكثر من يومين."
فقال صاحب النُزل ببساطة: "هذا عَرْضي. إمّا أن أقصّها كما ينبغي، أو لا أقصّها على الإطلاق."
"انتظر!" قال 'المؤرّخ'، وقد أشرق وجهه فجأة.
"لقد كنتُ أفكّر في الأمر بطريقة معكوسة"، هزّ رأسه متعجبًا من غبائه.
"سأزور الإيرل أولًا، ثم أعود إليك. ستحصل على كلّ الوقت الذي تريده آنذاك. بل يمكنني أن أُحضِر سكارپي معي."
رمقه كوت بنظرةٍ يملؤها الاحتقار والازدراء العميق.
"وما الذي جعلك تظن، ولو لوهلة، أنني سأكون هنا حين تعود؟" سأل بدهشة ساخرة.
"وفوق ذلك، ما الذي يجعلك تعتقد أنك تستطيع ببساطة أن تخرج من هنا بعد أن عرفتَ ما عرفت؟"
تجمّد 'المؤرّخ' في مكانه.
"أ... أنتَ تقصد أنّ—"
ابتلع ريقه وأعاد المحاولة: "أأنتَ تقول إن—"
قاطعه كوت ببرود:
"القصة ستستغرق ثلاثة أيام. بدءًا من الغد. هذا ما أقوله."
أغمض 'المؤرّخ' عينيه، ومسح وجهه بكفه. سيكون الإيرل غاضبًا، لا شكّ في ذلك. ومن يدري ما الذي قد يتطلبه استعادة رضاه...
ومع ذلك... "إن كانت هذه هي الطريقة الوحيدة للحصول على القصة، فأنا أقبل."
قال صاحب النُزل بابتسامة نصفية وهو يهدأ:
"سعيدٌ لسماع ذلك. قُل لي، هل ثلاثة أيام أمرٌ غريبٌ إلى هذا الحدّ؟"
عادت الجدية إلى ملامح 'المؤرّخ'. "ثلاثة أيام أمرٌ غير عادي و غريب. لكن—"
ثم بدا أن بعضًا من غطرسته تسرّب منه شيئًا فشيئًا، وقال بنبرة أكثر تواضعًا: "لكنه،" ولوّح بيده وكأنّه يعترف بعبثية أي قولٍ في وجه الواقع، "لكنكَ 'كڤوث'." [4]
نظر الرجل الذي يُسمّي نفسه كوت من خلف زجاجاته. لعبت ابتسامة خفيفة على شفتيه، وتوهّج شرارة في عينيه. بدا أطول قامةً فجأة برز حضوره.
وقال:
"نعم، على ما أظن، أنا كذلك."
وكان في صوته نبرة من حديد. [5]
ملاحظات المترجم:
3: لم أصل لهذه الأحداث ربما هذا فقط استعارة ، لا أعلم الكاتب يستعمل لغة مجازية بكثرة .
1: ''المؤرّخ'' أو بترجمة أخرى "كاتب السِّير" هنا يشير للقب شخصيّ بعالم الرواية و دوره هو تدوين الأحداث و الوقائع بتسلسل زمني، سواء كانت تاريخًا حقيقيًا أو قصصًا واقعية بشكل موثوق و دقيق.
2: دراكوس كائن خيالي بالرواية ستعرفونه لاحقا ، كتوضيح هو يشبه الديناصورات بالحجم و بالشكل أقرب للتمساح أو السحلية.
2: دراكوس كائن خيالي بالرواية ستعرفونه لاحقا ، كتوضيح هو يشبه الديناصورات بالحجم و بالشكل أقرب للتمساح أو السحلية.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com 5: تعبير مجازي يُستخدم لوصف نبرة حاسمة و صارمة، أي أن صوته كان يحمل قوة وثباتًا كما لو أن فيه صلابة الحديد. و هنا يعني أن 'كڤوث' يُظهر شيئًا من صلب شخصيّته الحقيقية…
3: لم أصل لهذه الأحداث ربما هذا فقط استعارة ، لا أعلم الكاتب يستعمل لغة مجازية بكثرة .
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com 5: تعبير مجازي يُستخدم لوصف نبرة حاسمة و صارمة، أي أن صوته كان يحمل قوة وثباتًا كما لو أن فيه صلابة الحديد. و هنا يعني أن 'كڤوث' يُظهر شيئًا من صلب شخصيّته الحقيقية…
4: باختصار يريد قول "الأمر يستحق".
1: ''المؤرّخ'' أو بترجمة أخرى "كاتب السِّير" هنا يشير للقب شخصيّ بعالم الرواية و دوره هو تدوين الأحداث و الوقائع بتسلسل زمني، سواء كانت تاريخًا حقيقيًا أو قصصًا واقعية بشكل موثوق و دقيق.
5: تعبير مجازي يُستخدم لوصف نبرة حاسمة و صارمة، أي أن صوته كان يحمل قوة وثباتًا كما لو أن فيه صلابة الحديد. و هنا يعني أن 'كڤوث' يُظهر شيئًا من صلب شخصيّته الحقيقية…
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com 5: تعبير مجازي يُستخدم لوصف نبرة حاسمة و صارمة، أي أن صوته كان يحمل قوة وثباتًا كما لو أن فيه صلابة الحديد. و هنا يعني أن 'كڤوث' يُظهر شيئًا من صلب شخصيّته الحقيقية…
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات