ملاحظات
ملاحظات
كان قد مرّ منتصف الليل بوقتٍ طويل حين عاد كوت إلى نُوآر، حاملاً جسد 'المؤرّخ' المترنّح على كتفيه الممزّقين. كانت بيوت المدينة ومتاجرها غارقة في الظلام والصمت، لكنّ نُزُل وايستون كان مضاءً بالكامل.
كان 'باست' واقفًا عند المدخل، يكاد يرقص من شدّة الانزعاج و التوتر.
وحين لمح الشخص القادم عبر الطريق، اندفع راكضًا نحوه وهو يلوّح بورقة في يده غاضبًا:
"ملاحظة؟ تتسلل إلى الخارج وتتركني مع ملاحظة؟" قالها وهو يهمس بعصبية. "ما أنا؟ مومس من أرصفة الموانئ؟"
استدار كوت ومرّر جسد المؤرّخ المرتخي إلى ذراعي باست. "كنت أعلم أنك ستجادلني، يا باست."
أمسك باست بـالمؤرّخ بسهولة بين ذراعيه: "حتى الملاحظة لم تكن جيدة. ' إذا كنت تقرأ هذا، فأنا على الأرجح ميت ' أي نوع من الملاحظات هذه؟"
"لم يكن من المفترض أن تجدها قبل الصباح." قال كوت بتعب، وهما يمشيان معًا عبر الشارع نحو النزل. نظر باست إلى الرجل الذي يحمله، وكأنه ينتبه له لأول مرة. هزّه قليلاً، متأملًا فيه بنظرات فضول، قبل أن يرميه بسهولة على كتفه ككِيس من الخيش. "من هذا؟"
"يا له من وغد تعيس الحظ، تصادف وجوده على الطريق في الوقت الخطأ." قال كوت بلا مبالاة. "فقط لا تهزّه كثيرًا. رأسه ربما أصبح مرتخيًا بعض الشيء."
"بِحَق الجحيم، لماذا تسللت للخارج من الأساس؟" سأله باست وهما يعبران عتبة النزل.
"إذا كنت ستترك ملاحظة، فعلى الأقل أخبرني فيها..."
اتّسعت عينا باست فجأة حين رأى كوت بوضوح في ضوء النزل: شاحب الوجه، مخلطخا بالدم والتراب و الأوساخ.
قال كوت بنبرة جافة: "يمكنك أن تقلق إذا أردت. فالأمر بالضبط سيء حقا كما يبدو عليه."
"لقد خرجتَ لتصطادهم، أليس كذلك؟" قال باست وهو يهمس بعصبية، ثم اتّسعت عيناه فجأة لإدراكه شيئا: "لا،... لقد احتفظتَ بقطعة من ذاك الذي قتله كارتر. لا أصدّق ذلك، لقد كذبتَ عليّ… عليّ أنا!"
تنهد كوت وهو يواصل صعود الدرج بصعوبة. "هل ما أغضبك هو أنني كذبت، أم أنك غاضب لأنك لم تكتشف كذبتي؟" سأله بينما بدأ يتسلّق الدرج.
"أنا غاضب لأنك ظننت أنني لا أستحق ثقتك." قال باست متلعثمًا.
توقّف حديثهما بينما فتحا واحدة من الغرف الخالية في الطابق الثاني، ثم جرّدا "المؤرّخ" من ملابسه المتسخة، وأدخلاه في السرير بلطف، وغطّياه بعناية. ترك كوت حقيبته وكيس السفر الخاصة بالرجل بجوار السرير على الأرض.
أغلق كوت باب الغرفة خلفه، وقال: "أنا أثق بك يا باست، لكنني أردتك أن تبقى في أمان. كنت أعلم أنني قادر على التعامل مع الأمر بنفسي."
"كنتُ سأساعدك يا رِيشي. أنت تعلم أنني كنت سأفعل." قالها باست بنبرة مجروحة معها خيبة أمل .
"لا زلتَ تستطيع مساعدتي يا باست." أشار كوت وهو يتجه إلى غرفته ويجلس بثقل على حافة سريره الضيق. "أحتاج إلى بعض الغرز. كنت سأقوم بها بنفسي، لكن الجزء العلوي من كتفيّ وظهري يصعب عليّ الوصول إليهما."
"هراء يا رِيشي. سأقوم بها أنا." ردّ باست على الفور.
أشار "كوت" إلى الباب قائلاً: "المعدات في القبو."
شمّ باست بأنفه بازدراء: "سأستخدم إبَري الخاصة، شكرًا لك. عظمٌ صادقٌ ونقي. و ليس كتلك الإبر الحديدية الشريرة و البغيضة خاصتك، تطعنك كأنها شظايا صغيرة من الكراهية."
ارتعش قليلًا وأضاف: "بحق الجدول و الحجر[1]، كم أنتم بدائيون بشكل مرعب."
خرج باست مسرعًا من الغرفة، وترك الباب مفتوحًا خلفه.
خلع كوت قميصه ببطء، متألمًا وهو يشهق بين أسنانه حين علقت الدماء الجافة بالقماش وشدّت على جراحه. ثم عاد وجهه إلى الجمود حين عاد باست إلى الغرفة وهو يحمل حوض ماء، وبدأ بتنظيف جراحه.
ومع زوال الدم الجاف، بدأت تظهر بوضوح سلسلة من الجروح المستقيمة، الحمراء، والطويلة، وكأنّها قد خُطّت بشفرة حلاقة أو قطعة من زجاج مكسور. كانت هناك نحو اثنتي عشرة شقّة، معظمها على كتفيه، وبعضها على ظهره وذراعيه. وكان أحدها يبدأ من أعلى رأسه وينزل على فروة رأسه إلى خلف أذنه.
"كنت أظن أنه لا يُفترض بك أن تنزف يا رِيشي" قال باست، "أنت بلا دم وكل تلك الأشياء…"
رد عليه كوت: "لا تصدق كل شيء تسمعه في القصص يا باست. الكذب جزء منها."
"حسنًا، أنت لست سيئًا كما كنت أظن." قال باست وهو يمسح يديه بنظافة. "لكن كان من المفترض حقا أن تفقد جزءًا من أذنك. هل كانوا مصابين مثل ذلك الذي هاجم كارتر؟"
"ليس ما يمكنني رؤيته." أجاب كوت.
"كم كان عددهم؟"
"خمسة."
"خمسة؟" قال باست بذهول. "كم عدد الذين قتلهم الآخر؟"
"ألهى أحدهم لفترة من الوقت." أجاب كوت بسخاء.
"أنپاوِن[2] ، رِيشي" قال باست وهو يهز رأسه بينما يمرر إبرة عظم بخيط رقيق وأدق من الأمعاء. "يجب أن تكون ميتًا. كان يجب أن تكون ميتًا بالفعل مرتين."
"لا بأس." قال كوت وهو يرفع كتفيه. "ليست هذه أول مرة يجب فيها أن أموت. أنا بارع في تجنب ذلك."
انحنى باست ليكمل عمله. "هذا سيؤلم قليلاً" قال وهو يراعيه بلطف أثناء إجراء الغرز. "بصراحة، رِيشي، لا أستطيع أن أرى كيف تمكنت من البقاء حيًا حتى الآن."
أغلق كوت عينيه. "أنا أيضًا لا أعرف يا باست"، قال بصوت مرهق وموهَن.
مرّت ساعات حتى انفتح باب غرفة كوت ونظر باست إلى الداخل.
سمع فقط أنفاسًا بطيئة و منتظمة ، فمشى بهدوء حتى وقف بجانب السرير، ثم انحنى فوق الرجل النائم. عاين لون خديّه، راقب تنفسه، ولمس برفق جبهته ، معصمه، وجوف حلقه.
ثم وضع باست الكرسي بجانب السرير وجلس يراقب سيده ويستمع لأنفاسه. بعد لحظة، مد يده ليحرك خصلات الشعر الأحمر المبعثرة عن وجهه، كما تفعل الأم مع طفل نائم. ثم بدأ يغني بهدوء، لحن غريب وأخّاذ، بدا و كأنه تهويدة:
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
"غريبٌ أن أرى إنسانًا يشتعل
ثم ينطفئ يومًا بعد يوم.
وأعلم أن أرواحهم المشرقة قابلة للاشتعال
وأن الرياح ستأخذ مسارها.
ليتني أستطيع أن أمنح ناري
ما الذي قد يعنيه وهجك المتأرجح؟"
1: (Stream and stone) اعتبروها مثل "بحق الجحيم" ستعرفون لاحقا سبب استعماله لها.
تلاشى صوت باست حتى أصبح في النهاية ساكنًا، جالسًا بلا حركة، يراقب صعود وهبوط أنفاس سيده في ساعات الصباح الباكر.
***********
ملاحظات المترجم:
ملاحظات كان قد مرّ منتصف الليل بوقتٍ طويل حين عاد كوت إلى نُوآر، حاملاً جسد 'المؤرّخ' المترنّح على كتفيه الممزّقين. كانت بيوت المدينة ومتاجرها غارقة في الظلام والصمت، لكنّ نُزُل وايستون كان مضاءً بالكامل. كان 'باست' واقفًا عند المدخل، يكاد يرقص من شدّة الانزعاج و التوتر. وحين لمح الشخص القادم عبر الطريق، اندفع راكضًا نحوه وهو يلوّح بورقة في يده غاضبًا: "ملاحظة؟ تتسلل إلى الخارج وتتركني مع ملاحظة؟" قالها وهو يهمس بعصبية. "ما أنا؟ مومس من أرصفة الموانئ؟" استدار كوت ومرّر جسد المؤرّخ المرتخي إلى ذراعي باست. "كنت أعلم أنك ستجادلني، يا باست." أمسك باست بـالمؤرّخ بسهولة بين ذراعيه: "حتى الملاحظة لم تكن جيدة. ' إذا كنت تقرأ هذا، فأنا على الأرجح ميت ' أي نوع من الملاحظات هذه؟" "لم يكن من المفترض أن تجدها قبل الصباح." قال كوت بتعب، وهما يمشيان معًا عبر الشارع نحو النزل. نظر باست إلى الرجل الذي يحمله، وكأنه ينتبه له لأول مرة. هزّه قليلاً، متأملًا فيه بنظرات فضول، قبل أن يرميه بسهولة على كتفه ككِيس من الخيش. "من هذا؟" "يا له من وغد تعيس الحظ، تصادف وجوده على الطريق في الوقت الخطأ." قال كوت بلا مبالاة. "فقط لا تهزّه كثيرًا. رأسه ربما أصبح مرتخيًا بعض الشيء." "بِحَق الجحيم، لماذا تسللت للخارج من الأساس؟" سأله باست وهما يعبران عتبة النزل. "إذا كنت ستترك ملاحظة، فعلى الأقل أخبرني فيها..." اتّسعت عينا باست فجأة حين رأى كوت بوضوح في ضوء النزل: شاحب الوجه، مخلطخا بالدم والتراب و الأوساخ. قال كوت بنبرة جافة: "يمكنك أن تقلق إذا أردت. فالأمر بالضبط سيء حقا كما يبدو عليه." "لقد خرجتَ لتصطادهم، أليس كذلك؟" قال باست وهو يهمس بعصبية، ثم اتّسعت عيناه فجأة لإدراكه شيئا: "لا،... لقد احتفظتَ بقطعة من ذاك الذي قتله كارتر. لا أصدّق ذلك، لقد كذبتَ عليّ… عليّ أنا!" تنهد كوت وهو يواصل صعود الدرج بصعوبة. "هل ما أغضبك هو أنني كذبت، أم أنك غاضب لأنك لم تكتشف كذبتي؟" سأله بينما بدأ يتسلّق الدرج. "أنا غاضب لأنك ظننت أنني لا أستحق ثقتك." قال باست متلعثمًا. توقّف حديثهما بينما فتحا واحدة من الغرف الخالية في الطابق الثاني، ثم جرّدا "المؤرّخ" من ملابسه المتسخة، وأدخلاه في السرير بلطف، وغطّياه بعناية. ترك كوت حقيبته وكيس السفر الخاصة بالرجل بجوار السرير على الأرض. أغلق كوت باب الغرفة خلفه، وقال: "أنا أثق بك يا باست، لكنني أردتك أن تبقى في أمان. كنت أعلم أنني قادر على التعامل مع الأمر بنفسي." "كنتُ سأساعدك يا رِيشي. أنت تعلم أنني كنت سأفعل." قالها باست بنبرة مجروحة معها خيبة أمل . "لا زلتَ تستطيع مساعدتي يا باست." أشار كوت وهو يتجه إلى غرفته ويجلس بثقل على حافة سريره الضيق. "أحتاج إلى بعض الغرز. كنت سأقوم بها بنفسي، لكن الجزء العلوي من كتفيّ وظهري يصعب عليّ الوصول إليهما." "هراء يا رِيشي. سأقوم بها أنا." ردّ باست على الفور. أشار "كوت" إلى الباب قائلاً: "المعدات في القبو." شمّ باست بأنفه بازدراء: "سأستخدم إبَري الخاصة، شكرًا لك. عظمٌ صادقٌ ونقي. و ليس كتلك الإبر الحديدية الشريرة و البغيضة خاصتك، تطعنك كأنها شظايا صغيرة من الكراهية." ارتعش قليلًا وأضاف: "بحق الجدول و الحجر[1]، كم أنتم بدائيون بشكل مرعب." خرج باست مسرعًا من الغرفة، وترك الباب مفتوحًا خلفه. خلع كوت قميصه ببطء، متألمًا وهو يشهق بين أسنانه حين علقت الدماء الجافة بالقماش وشدّت على جراحه. ثم عاد وجهه إلى الجمود حين عاد باست إلى الغرفة وهو يحمل حوض ماء، وبدأ بتنظيف جراحه. ومع زوال الدم الجاف، بدأت تظهر بوضوح سلسلة من الجروح المستقيمة، الحمراء، والطويلة، وكأنّها قد خُطّت بشفرة حلاقة أو قطعة من زجاج مكسور. كانت هناك نحو اثنتي عشرة شقّة، معظمها على كتفيه، وبعضها على ظهره وذراعيه. وكان أحدها يبدأ من أعلى رأسه وينزل على فروة رأسه إلى خلف أذنه. "كنت أظن أنه لا يُفترض بك أن تنزف يا رِيشي" قال باست، "أنت بلا دم وكل تلك الأشياء…" رد عليه كوت: "لا تصدق كل شيء تسمعه في القصص يا باست. الكذب جزء منها." "حسنًا، أنت لست سيئًا كما كنت أظن." قال باست وهو يمسح يديه بنظافة. "لكن كان من المفترض حقا أن تفقد جزءًا من أذنك. هل كانوا مصابين مثل ذلك الذي هاجم كارتر؟" "ليس ما يمكنني رؤيته." أجاب كوت. "كم كان عددهم؟" "خمسة." "خمسة؟" قال باست بذهول. "كم عدد الذين قتلهم الآخر؟" "ألهى أحدهم لفترة من الوقت." أجاب كوت بسخاء. "أنپاوِن[2] ، رِيشي" قال باست وهو يهز رأسه بينما يمرر إبرة عظم بخيط رقيق وأدق من الأمعاء. "يجب أن تكون ميتًا. كان يجب أن تكون ميتًا بالفعل مرتين." "لا بأس." قال كوت وهو يرفع كتفيه. "ليست هذه أول مرة يجب فيها أن أموت. أنا بارع في تجنب ذلك." انحنى باست ليكمل عمله. "هذا سيؤلم قليلاً" قال وهو يراعيه بلطف أثناء إجراء الغرز. "بصراحة، رِيشي، لا أستطيع أن أرى كيف تمكنت من البقاء حيًا حتى الآن." أغلق كوت عينيه. "أنا أيضًا لا أعرف يا باست"، قال بصوت مرهق وموهَن. مرّت ساعات حتى انفتح باب غرفة كوت ونظر باست إلى الداخل. سمع فقط أنفاسًا بطيئة و منتظمة ، فمشى بهدوء حتى وقف بجانب السرير، ثم انحنى فوق الرجل النائم. عاين لون خديّه، راقب تنفسه، ولمس برفق جبهته ، معصمه، وجوف حلقه. ثم وضع باست الكرسي بجانب السرير وجلس يراقب سيده ويستمع لأنفاسه. بعد لحظة، مد يده ليحرك خصلات الشعر الأحمر المبعثرة عن وجهه، كما تفعل الأم مع طفل نائم. ثم بدأ يغني بهدوء، لحن غريب وأخّاذ، بدا و كأنه تهويدة:
1: (Stream and stone) اعتبروها مثل "بحق الجحيم" ستعرفون لاحقا سبب استعماله لها.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
2: لفظة (Anpauen) من لغة غير حقيقية، و من السياق قد تعني "على مهلك"...
تلاشى صوت باست حتى أصبح في النهاية ساكنًا، جالسًا بلا حركة، يراقب صعود وهبوط أنفاس سيده في ساعات الصباح الباكر. *********** ملاحظات المترجم:
ملاحظات كان قد مرّ منتصف الليل بوقتٍ طويل حين عاد كوت إلى نُوآر، حاملاً جسد 'المؤرّخ' المترنّح على كتفيه الممزّقين. كانت بيوت المدينة ومتاجرها غارقة في الظلام والصمت، لكنّ نُزُل وايستون كان مضاءً بالكامل. كان 'باست' واقفًا عند المدخل، يكاد يرقص من شدّة الانزعاج و التوتر. وحين لمح الشخص القادم عبر الطريق، اندفع راكضًا نحوه وهو يلوّح بورقة في يده غاضبًا: "ملاحظة؟ تتسلل إلى الخارج وتتركني مع ملاحظة؟" قالها وهو يهمس بعصبية. "ما أنا؟ مومس من أرصفة الموانئ؟" استدار كوت ومرّر جسد المؤرّخ المرتخي إلى ذراعي باست. "كنت أعلم أنك ستجادلني، يا باست." أمسك باست بـالمؤرّخ بسهولة بين ذراعيه: "حتى الملاحظة لم تكن جيدة. ' إذا كنت تقرأ هذا، فأنا على الأرجح ميت ' أي نوع من الملاحظات هذه؟" "لم يكن من المفترض أن تجدها قبل الصباح." قال كوت بتعب، وهما يمشيان معًا عبر الشارع نحو النزل. نظر باست إلى الرجل الذي يحمله، وكأنه ينتبه له لأول مرة. هزّه قليلاً، متأملًا فيه بنظرات فضول، قبل أن يرميه بسهولة على كتفه ككِيس من الخيش. "من هذا؟" "يا له من وغد تعيس الحظ، تصادف وجوده على الطريق في الوقت الخطأ." قال كوت بلا مبالاة. "فقط لا تهزّه كثيرًا. رأسه ربما أصبح مرتخيًا بعض الشيء." "بِحَق الجحيم، لماذا تسللت للخارج من الأساس؟" سأله باست وهما يعبران عتبة النزل. "إذا كنت ستترك ملاحظة، فعلى الأقل أخبرني فيها..." اتّسعت عينا باست فجأة حين رأى كوت بوضوح في ضوء النزل: شاحب الوجه، مخلطخا بالدم والتراب و الأوساخ. قال كوت بنبرة جافة: "يمكنك أن تقلق إذا أردت. فالأمر بالضبط سيء حقا كما يبدو عليه." "لقد خرجتَ لتصطادهم، أليس كذلك؟" قال باست وهو يهمس بعصبية، ثم اتّسعت عيناه فجأة لإدراكه شيئا: "لا،... لقد احتفظتَ بقطعة من ذاك الذي قتله كارتر. لا أصدّق ذلك، لقد كذبتَ عليّ… عليّ أنا!" تنهد كوت وهو يواصل صعود الدرج بصعوبة. "هل ما أغضبك هو أنني كذبت، أم أنك غاضب لأنك لم تكتشف كذبتي؟" سأله بينما بدأ يتسلّق الدرج. "أنا غاضب لأنك ظننت أنني لا أستحق ثقتك." قال باست متلعثمًا. توقّف حديثهما بينما فتحا واحدة من الغرف الخالية في الطابق الثاني، ثم جرّدا "المؤرّخ" من ملابسه المتسخة، وأدخلاه في السرير بلطف، وغطّياه بعناية. ترك كوت حقيبته وكيس السفر الخاصة بالرجل بجوار السرير على الأرض. أغلق كوت باب الغرفة خلفه، وقال: "أنا أثق بك يا باست، لكنني أردتك أن تبقى في أمان. كنت أعلم أنني قادر على التعامل مع الأمر بنفسي." "كنتُ سأساعدك يا رِيشي. أنت تعلم أنني كنت سأفعل." قالها باست بنبرة مجروحة معها خيبة أمل . "لا زلتَ تستطيع مساعدتي يا باست." أشار كوت وهو يتجه إلى غرفته ويجلس بثقل على حافة سريره الضيق. "أحتاج إلى بعض الغرز. كنت سأقوم بها بنفسي، لكن الجزء العلوي من كتفيّ وظهري يصعب عليّ الوصول إليهما." "هراء يا رِيشي. سأقوم بها أنا." ردّ باست على الفور. أشار "كوت" إلى الباب قائلاً: "المعدات في القبو." شمّ باست بأنفه بازدراء: "سأستخدم إبَري الخاصة، شكرًا لك. عظمٌ صادقٌ ونقي. و ليس كتلك الإبر الحديدية الشريرة و البغيضة خاصتك، تطعنك كأنها شظايا صغيرة من الكراهية." ارتعش قليلًا وأضاف: "بحق الجدول و الحجر[1]، كم أنتم بدائيون بشكل مرعب." خرج باست مسرعًا من الغرفة، وترك الباب مفتوحًا خلفه. خلع كوت قميصه ببطء، متألمًا وهو يشهق بين أسنانه حين علقت الدماء الجافة بالقماش وشدّت على جراحه. ثم عاد وجهه إلى الجمود حين عاد باست إلى الغرفة وهو يحمل حوض ماء، وبدأ بتنظيف جراحه. ومع زوال الدم الجاف، بدأت تظهر بوضوح سلسلة من الجروح المستقيمة، الحمراء، والطويلة، وكأنّها قد خُطّت بشفرة حلاقة أو قطعة من زجاج مكسور. كانت هناك نحو اثنتي عشرة شقّة، معظمها على كتفيه، وبعضها على ظهره وذراعيه. وكان أحدها يبدأ من أعلى رأسه وينزل على فروة رأسه إلى خلف أذنه. "كنت أظن أنه لا يُفترض بك أن تنزف يا رِيشي" قال باست، "أنت بلا دم وكل تلك الأشياء…" رد عليه كوت: "لا تصدق كل شيء تسمعه في القصص يا باست. الكذب جزء منها." "حسنًا، أنت لست سيئًا كما كنت أظن." قال باست وهو يمسح يديه بنظافة. "لكن كان من المفترض حقا أن تفقد جزءًا من أذنك. هل كانوا مصابين مثل ذلك الذي هاجم كارتر؟" "ليس ما يمكنني رؤيته." أجاب كوت. "كم كان عددهم؟" "خمسة." "خمسة؟" قال باست بذهول. "كم عدد الذين قتلهم الآخر؟" "ألهى أحدهم لفترة من الوقت." أجاب كوت بسخاء. "أنپاوِن[2] ، رِيشي" قال باست وهو يهز رأسه بينما يمرر إبرة عظم بخيط رقيق وأدق من الأمعاء. "يجب أن تكون ميتًا. كان يجب أن تكون ميتًا بالفعل مرتين." "لا بأس." قال كوت وهو يرفع كتفيه. "ليست هذه أول مرة يجب فيها أن أموت. أنا بارع في تجنب ذلك." انحنى باست ليكمل عمله. "هذا سيؤلم قليلاً" قال وهو يراعيه بلطف أثناء إجراء الغرز. "بصراحة، رِيشي، لا أستطيع أن أرى كيف تمكنت من البقاء حيًا حتى الآن." أغلق كوت عينيه. "أنا أيضًا لا أعرف يا باست"، قال بصوت مرهق وموهَن. مرّت ساعات حتى انفتح باب غرفة كوت ونظر باست إلى الداخل. سمع فقط أنفاسًا بطيئة و منتظمة ، فمشى بهدوء حتى وقف بجانب السرير، ثم انحنى فوق الرجل النائم. عاين لون خديّه، راقب تنفسه، ولمس برفق جبهته ، معصمه، وجوف حلقه. ثم وضع باست الكرسي بجانب السرير وجلس يراقب سيده ويستمع لأنفاسه. بعد لحظة، مد يده ليحرك خصلات الشعر الأحمر المبعثرة عن وجهه، كما تفعل الأم مع طفل نائم. ثم بدأ يغني بهدوء، لحن غريب وأخّاذ، بدا و كأنه تهويدة:
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات